الحياة مع زوج مدمن هي معاناة صامتة ومدمرة، فإنها ليست مجرد عادة سيئة، بل هي وضع يهدد استقراركِ النفسي، وأمان أسرتكِ، ومستقبل أبنائكِ.
إذا كنتِ تعيشين هذا الواقع المؤلم، فاعلمي أن النظام في المملكة العربية السعودية يتفهم حجم هذا الضرر ويمنحكِ الحق في طلب فسخ عقد النكاح.
هذا الدليل ليس مجرد سرد للمعلومات النظامية، بل هو خارطة طريق لمساعدتكِ على فهم حقوقكِ، وكيفية إثبات الضرر الناتج عن الإدمان، وما يمكنكِ توقعه خلال هذه الرحلة الصعبة.
لماذا يعتبر إدمان الزوج للمخدرات سببًا قويًا لفسخ النكاح؟
يعتبر إدمان المخدرات أحد أشكال [الضرر الجسيم الذي يبيح للزوجة طلب فسخ العقد]، فالإدمان في حد ذاته ضرر، والسبب في ذلك أن الإدمان يؤدي حتمًا إلى:
- أضرار أخرى: كالضرب أو الإهانة أو سوء العشرة.
- إهمال المسؤوليات: [فيتوقف الزوج عن الإنفاق على بيته وأسرته]، وهذا بحد ذاته سبب مستقل آخر لطلب الفسخ.
- تدهور السلوك: قد يرتكب أعمالًا غير أخلاقية أو نظامية تسيء لسمعة الأسرة.
- انعدام الأمان: تصبح الحياة الزوجية غير مستقرة ومليئة بالخوف والتوتر.
- خطر على الأبناء: ينشأ الأبناء في بيئة غير صحية قد تعرضهم للخطر.
لهذه الأسباب، تعتبر المحكمة أن استمرار الحياة الزوجية في ظل الإدمان “يتعذر معه دوام العشرة بالمعروف“، مما يجعله سببًا كافيًا للحكم بالفسخ، وتستند هذه الحالة لما قررته المادة (108) من نظام الأحوال الشخصية، والتي تنص بوضوح على:
“تفسخ المحكمة عقد الزواج بناءً على طلب الزوجة؛ لإضرار الزوج بها ضررًا يتعذر معه دوام العشرة بالمعروف، إذا ثبت الضرر“.
السؤال الأصعب: كيف تثبتين إدمان زوجكِ أمام المحكمة؟
الادعاء بأن الزوج مدمن لا يكفي، بل يجب تقديم أدلة قوية ومقبولة نظامًا، فإثبات الإدمان للمخدرات هو حجر الزاوية في قضيتك، وإليكِ أهم الأدلة التي يمكنكِ الاستناد إليها:
1. الأحكام القضائية السابقة (أقوى دليل)
إذا كان قد صدر ضد زوجكِ حكم قضائي سابق نهائي في قضية تتعلق بتعاطي أو حيازة المخدرات، فهذا هو الدليل الأقوى على الإطلاق.
علمًا بأنه لا يكفي هنا مجرد توجيه الاتهام للزوج قي قضية مخدرات، أو وجود القضية أمام المحكمة، بل يجب أن يكون هناك حكم قضائي نهائي يقضي بثبوت الإدانة.
نصيحة خبير: إن عامل الوقت هنا حاسم جدًا، فإذا مر وقت طويل على صدور هذا الحكم وأنتِ على علم به دون أن تتقدمي بدعوى الفسخ، فقد يضعف ذلك من موقفكِ أمام القاضي.
إذ قد يعتبر القاضي أن سكوتكِ طوال هذه المدة هو دليل على قبولكِ ورضاكِ بالوضع، لذلك؛ متى عزمتِ النية على رفع الدعوى، لا تتراخي أو تؤجلي.
2. التقارير الطبية الرسمية
إذا دخل الزوج إلى مستشفى أو مركز متخصص لعلاج الإدمان، فإن التقارير الصادرة من هذه الجهات تعتبر دليلًا رسميًا وقويًا، ونحن نعلم أنه قد يصعب في كثير من الأحيان الحصول على نسخة من هذه التقارير.
والحل هنا؛ يكمُن في إمكانية قيام الزوجة بتقديم طلب للقاضي ناظر الدعوى بأن يُرسِل خطاب إلى المستشفى للاستفسار عن مدى صحة الادعاء بوجود ملف لديهم يخص الزوج للتعافي من الإدمان، وما حققه وأنجزه الزوج في هذه المرحلة، هل تعافى أم بدأ وانتكس وخرج؟ ونستند في إمكانية الطلب هنا لما قررته المادة (37) من نظام الإثبات، التي نصت على أنه:
“..للمحكمة أن تطلب من الجهة العامة أن تقدم -كتابةً أو شفاهًا- ما لديها من معلومات ذات صلة بالدعوى، دون إخلال بالأنظمة“.
ونؤكد أيضًا أنه لا يكفي هنا مجرد الطلب من القاضي، وإنما يجب تقديم ما يبين تعذر إحضار التقارير من جانب الزوجة بنفسها، بأن تُحضِر من المستشفى خطاب يُفيد بأن الزوجة تقدمت بطلب للحصول على معلومات تخص الزوج عما إذا كان لديه ملف للعلاج أم لا، وتم رفض تقديم المعلومات إلا بأمر من المحكمة، وذلك إعمالًا لما جاء بالمادة (46) من لائحة الأدلة الإجرائية لنظام الإثبات، بما نصه:
“لا تقبل المحكمة طلب الخصم لمحرر من جهة عامة، ما لم يتضمن الآتي: 1. ما يبين تعذر إحضار المحرر من قبل الخصم“.
3. شهادة الشهود
شهادة الأشخاص الذين شاهدوا الزوج وهو يتعاطى المخدرات، أو رأوا آثار التعاطي عليه بشكل مباشر (مثل أفراد الأسرة المقيمين في نفس المنزل أو الأصدقاء المقربين أو الجيران) يمكن أن تكون دليلًا داعمًا ومهمًا.
ملحوظة: يجب مراعاة أن شهادة والد الزوجة ووالدتها غير مقبولة شرعًا، ولا يمكن الاعتماد عليها في إثبات تعاطي الزوج للمخدرات، إعمالًا لما قررته المادة (71) من نظام الإثبات:
“2. لا تقبل شهادة الأصل للفرع، وشهادة الفرع للأصل..“، والأصل هو [الأب والأم]، والفرع هي [الزوجة ابنتهما].
وكذلك فيما يتعلق بشهادة أخوان وأخوات الزوجة، فالحقيقة أنه لا يوجد مانع نظامي أو شرعي صريح يمنع من سماع شهادتهم، وكثير من القضاة يقبول شهادتهم في هذا الشأن، ولكن بعض القضاة لا يقبلونها، ويستندون في ذلك إلى أن الشهادة بها شُبهة المحاباة والموالاة لأختهم [الزوجة].
هل ترغبين في استكشاف جميع أسباب فسخ النكاح؟
هذا المقال ركزنا بالتفصيل على [الفسخ بسبب المخدرات]، ولمعرفة قائمة كاملة بجميع الأسباب الأخرى التي أقرها نظام الأحوال الشخصية، يمكنكِ الرجوع إلى دليلنا الرئيسي الشامل، اقرئي الآن: [الدليل الشامل لأسباب فسخ عقد النكاح في السعودية]
الأسئلة الشائعة
هذا سؤال مهم جدًا، بما أن الفسخ هنا سببه ضرر واقع عليكِ من الزوج، فإن النظام يحفظ لكِ حقوقكِ كالتالي:
المهر (العوض): في الغالب، لا يُطلب منكِ إعادة المهر، لأنكِ لستِ المتسببة في الفسخ.
حضانة الأبناء: إدمان الأب يعتبر من أقوى الأسباب التي تدعم موقفكِ في الحصول على حضانة الأبناء، لإثبات عدم أهليته لتربيتهم في بيئة آمنة.
النفقة: تستحقين نفقة العدة، بالإضافة إلى نفقة الأبناء الشهرية المستقبلية التي يحددها القاضي.
هذا من أكثر الأسئلة حساسية، نحن نعرف أن قرارك صعب، وقد يكون لديكِ أمل في إصلاح حاله، نظامًا، إذا رفعتِ الدعوى ووعد الزوج أمام القاضي بالخضوع للعلاج، فقد يمنحه القاضي مهلة لذلك، وهذا الإجراء مشابه لما يحدث في قضايا [الفسخ لعلة قابلة للعلاج]، حيث قد يمنح القاضي مهلة للشفاء، ولكن الفارق هنا هو أن الالتزام بالعلاج من الإدمان يعتمد على إرادة الشخص بشكل كبير، وهذا لا يسقط حقكِ، لكن نصيحتنا العملية هي توثيق كل شيء، فيجب أن يكون التزامه بالعلاج جديًا ومثبتًا (مثل التسجيل في برنامج علاجي معتمد)، وإذا انتكس أو لم يلتزم، فإن هذا الإخلال بالوعد سيقوي موقفكِ جدًا في الدعوى ويُظهر للقاضي أنكِ منحتِه فرصة كافية.
نعم، للقاضي هذه السلطة، فإذا قدمتِ أدلة وقرائن قوية تجعل ادعاءكِ محتملًا (مثل شهادة شهود أو رسائل)، ولكن لا يوجد دليل قاطع، يمكنكِ عبر محاميكِ أن تطلبي من القاضي إحالة الزوج إلى جهة مختصة لإجراء تحليل للكشف عن المخدرات، فإذا صدر أمر القاضي ورفض الزوج الخضوع للتحليل، فإن هذا الرفض يعتبر قرينة ودليلًا ضده يدعم صحة ادعائكِ، مع العلم أن قبول الإحالة هنا من عدمها ترجع إلى السلطة التقديرية للقاضي بالكامل.
من واقع خبرتنا: قضية فسخ نكاح لتعاطي الحشيش
ملخص القضية: موكلتنا اكتشفت أن زوجها يتعاطى مخدر الحشيش بشكل مستمر، وصدر ضده حكمًا قضائيًا يُثبت إدانته بحيازة المخدرات بقصد التعاطي.
الأدلة التي قدمناها: هو حكم الإدانة، ورسائل واتساب يعترف فيها الزوج بتعاطيه ويطلب السماح، وسرد تفصيلي للأضرار الواقعة على الزوجة بسبب إدمان الزوج.
نتيجة القضية: بعد جلسات عدة، وتقديم الأدلة، اقتنعت المحكمة بأن سلوك الزوج يشكل ضررًا حقيقيًا، وحكمت بفسخ النكاح دون عوض، وإليكِ تسبيب الحكم ومنطوقه للإفادة:
الأسباب: “فبناءً على ما تقدم: وبما أن المدعية تطلب فسخ نكاحها من المدعى عليه بسبب تعاطي المخدرات ووجود سابقة عليه، وبالنظر إلى الأسباب تبين أنها تندرج تحت باب الضرر الذي أعده النظام موجبًا للفسخ، ولكون المدعى عليه صادق على دعوى المدعية بصدور حكم نهائي بإدانته بحيازة الحشيش المُخدر، وسجنه، ولثبوت التعاطي بموجب حكم جزائي قطعي برقم (…) وتاريخ ….، ولعظم شر المخدرات وفسادها وإفسادها لضرورات الدين الخمس وأثرها السيء على المتلبس بها وعلى المحيطين به، ولأن هذه الآفة موجبة للخيار في حق الزوجة لتحقق ضررها، ولما فيه من تفويت حقوق زوجية واجبة، لذلك كله”.
منطوق الحكم: “فقد حكمت الدائرة بفسخ نكاح الزوجة المدعية بدون عوض، هذا ما ظهر للدائرة وبه حكمت”.
هل أنتِ مستعدة لاتخاذ الخطوة التالية وتوكيل محامٍ؟
التعامل مع قضية فسخ نكاح بسبب إدمان الزوج للمخدرات يتطلب خبرة وحكمة، نحن في شركة نوماس للمحاماة لا نقدم استشارات مجانية عابرة، بل نكرس وقتنا وخبرتنا للقضايا الجادة التي نتولى تمثيلها من البداية وحتى صدور الحكم.
إذا كنتِ قد عزمتِ على رفع دعوى وتحتاجين إلى تمثيل نظامي احترافي، يمكنكِ التواصل معنا لبدء إجراءات قضيتك.
مقالات أخرى قد تهمك
1- كيفية رفع دعوى فسخ نكاح في السعودية: الخطوات تفصيلًا
2- متى يحق للقاضي فسخ النكاح بدون عوض؟