القاضي يلعب دورًا حاسمًا في دعوى فسخ النكاح؛ حيث يتمثل دوره في تحقيق العدالة بين الزوجين وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام، فيقوم القاضي بدراسة الدعوى ويطلع على أسباب طلب الفسخ، وعلى الأدلة والمستندات المقدمة من الطرفين، ثم يوجه الأسئلة اللازمة لتوضيح الموقف بشكل كامل. وفي النهاية، يصدر القاضي حكمه بناءً على ما توصل إليه من حقائق، مع مراعاة حقوق كل طرف وضمان العدالة والإنصاف في القضية.
في مقالنا سنُسلِط الضوء على الأسئلة التي يوجهها القاضي للزوجين في دعاوى فسخ النكاح.
أسئلة القاضي عند فسخ النكاح
بعدما يتم تقديم دعوى فسخ النكاح سواء من جانب الزوجة أو الزوج؛ تمر الدعوى بمرحلة سابقة تسمى “مرحلة الصلح“، وفي هذه المرحلة تُعرَض القضية أمام منصة تراضي، ويجلس الزوجين في جلسة مرئية، ثم يحاول المُصلِح أن يُصلح بينهما، وإذا فشل في ذلك؛ تُحال الدعوى إلى القاضي لينظرها ويفصل فيها.
وتختلف نوعية الأسئلة التي يسألها القاضي باختلاف الطرف الموجه له الأسئلة سواء كانت الزوجة أو الزوج، ونُبين جميع تلك الأسئلة فيما يلي:
أولًا: الأسئلة التي يوجهها القاضي للزوجة
في دعوى فسخ النكاح، يقوم القاضي بطرح عدد من الأسئلة على الزوجة في إطار حرصه على تحقيق العدالة والتأكد من وجود مبررات مقنعة ومنطقية لطلب الفسخ. الأسئلة التي يطرحها القاضي تعتبر ضرورية لفهم موقف الزوجة وتقييم ملابسات الدعوى، وتتعلق بنوايا الزوجة وأسبابها، والصلح، والإثباتات، والعوض.
هنا تفصيل للأسئلة الخمسة التي عادةً ما يوجهها القاضي، مع توضيح توجه القاضي وموقف الزوجة منها:
السؤال الأول: ما هي أسباب طلبِك لفسخ النكاح؟
يهدف القاضي من هذا السؤال إلى التأكد من أن الدعوى محررة تحريرًا كافيًا، عن طريق فهم الأسباب الأساسية التي دفعت الزوجة إلى طلب فسخ النكاح، فيسعى القاضي للتأكد من أنها أسباب نظامية وشرعية مُعتبرة تُبرر طلب الفسخ، مثل: الضرر، وسوء العشرة، والهجر، وغيرها من الأسباب [اقرأي المزيد عن أسباب فسخ النكاح].
ويجب على الزوجة أن تكون واضحة وصريحة في إجاباتها، وتشرح بشكل مختصر الأسباب التي دعتها لطلب الفسخ، كما يجب أن تظهر أن قرارها ليس متسرعًا وأنها بذلت مجهودًا في محاولة إصلاح العلاقة قبل اللجوء إلى المحكمة؛ ليتبين أن الظُلم والجور بأكمله من جهة الزوج وحده.
السؤال الثاني: هل لديك نية أو رغبة في الصُلح؟
القاضي يسعى من خلال هذا السؤال إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية المقررة في هذا الشأن، باستكشاف رغبة الزوجة في التراجع عن قرارها، أو ما إذا كان هناك مجال للتفاوض أو التسوية بين الطرفين، فيحاول القاضي إتاحة الفرصة للإصلاح بين الزوجين قبل اتخاذ أي قرار نهائي؛ لما يترتب على فسخ النكاح من شتات للأسرة، ودمار لنفسية الأطفال.
وإذا كانت الزوجة ترى أن الصلح غير ممكن أو أن العلاقة قد وصلت إلى طريق مسدود، يمكنها إبداء عدم رغبتها في الصلح مع تقديم تبريرات واضحة لذلك، وفي حال كانت لديها نية في الصلح، يمكنها التعبير عن استعدادها للعمل مع الزوج لحل المشكلات، وهذا هو الأفضل وما ننصح به متى ما أمكن.
السؤال الثالث: ما هي بينّتك على أسباب طلب الفسخ؟
هنا يسعى القاضي إلى التأكد من أن الزوجة تملك أدلة تثبت صحة ادعاءاتها، والبينة يُقصد بها الدليل على الدعوى، فقد تشمل شهادة شهود، وثائق، أو أي أدلة مادية تدعم موقفها وتُثبت صحة الأسباب المستند عليها من جانب الزوجة في طلب الفسخ.
ويتعين على الزوجة تقديم بينة قوية تدعم موقفها، سواء كانت شهادات أو أدلة مادية، مثل رسائل أو تقارير طبية أو شهادة شهود، فالقاضي بحاجة إلى هذه الأدلة حتى يتمكن من الحكم بفسخ النكاح بدون عوض [اقرأي المزيد عن متى يحق للقاضي فسخ النكاح بدون عوض].
السؤال الرابع: هل توافقين على قرار الحكمين؟
القاضي يسأل هذا السؤال إذا تم تعيين حكمين للإصلاح بين الزوجين، للتأكد من استعداد الزوجة لقبول ما توصل إليه الحكمين من قرارات سواء بأن يكون الفسخ بعوض أو بجزء من العوض أو بدون عوض، فيحرص القاضي على أن تكون القضية عادلة للطرفين وأن تكون الزوجة على علم بتأثير قرار الحكمين على موقفها بعد صدور الحكم.
وإذا كانت الزوجة مرتضية لما انتهى إليه الحكمين في قرارهما؛ فيمكنها إبداء موافقتها عليه دون أي مشكلات، أما إذا كانت ترى أن القرار غير مُنصِف أو غير صحيح؛ فيمكنها إبداء رفضها عليه مع تقديم أسباب عدم موافقتها، وفي حال كانت الأسباب مقنعة وقوية؛ فيؤثر ذلك على إمكانية عدم أخذ القاضي بما انتهى إليه الحكمين.
السؤال الخامس: هل توافقين على سداد العوض المطلوب؟
العوض هو المبلغ أو التعويض الذي قد يطلب من الزوجة دفعه في حالة الفسخ، وهنا يلزم على القاضي التأكد من استعداد الزوجة لتحمل هذا الالتزام، إذا كان مطلوبًا منها؛ إذ لا يملك الحكم بفسخ النكاح مع إلزام الزوجة بسداد العوض المطلوب إلا بعد موافقتها على ذلك [اقرأي المزيد عن الفرق بين الفسخ بعوض والفسخ بدون عوض]
ويعتمد موقف الزوجة هنا على مدى استعدادها لسداد العوض المطلوب، فإذا كان مناسب لها ولإمكانياتها؛ فيمكنها إبداء استعدادها للسداد، وإذا كانت ترى أن العوض غير مستحق أو غير عادل، يمكنها الرفض وتقديم تبريرات لموقفها، وإذا صدر الحكم في غير صالحها؛ فيكون لها حق الاعتراض أمام محكمة الاستئناف.
أخيرًا؛ فمن خلال هذه الأسئلة الخمسة، يسعى القاضي إلى تحقيق موازنة عادلة بين حقوق الزوجة والزوج، مع محاولة الإصلاح إن أمكن، وفي الوقت ذاته التأكد من أن حكم الفسخ مبرر وقائم على أسس نظامية وشرعية واضحة.
ثانيًا: الأسئلة التي يوجهها القاضي للزوج
في دعوى فسخ النكاح المُقامة من الزوجة؛ يكون الزوج في موضع [المدعى عليه]، مما يجعل الأسئلة الموجهة له تهدف إلى استيضاح موقفه تجاه الادعاءات المقدمة ضدّه ومحاولة الإصلاح بين الطرفين، هذه الأسئلة تساعد القاضي في فهم وجهة نظر الزوج ومدى استعداده للتعاون أو التصالح.
فيما يلي تفصيل للأسئلة الثلاثة الموجهة للزوج في مثل هذه الدعاوى:
السؤال الأول: ما جوابك عن دعوى الزوجة؟
يهدف القاضي من هذا السؤال إلى إعطاء الزوج الفرصة لتقديم رده على الدعوى وتوضيح موقفه، إذ يرغب القاضي في سماع دفاع الزوج وتفسيره للأحداث أو الادعاءات التي قدمتها الزوجة. هذه الإجابة تساعد القاضي في تقييم مصداقية الطرفين، واتجاهه المبدئي في القضية.
ويجب على الزوج تقديم إجابة وافية وصريحة، مع توضيح أي تفاصيل أو حقائق يعتقد أنها تدعم موقفه، مع مراعاة عدم الإسهاب والتطرق لأمور لا داعي منها، فإذا كان يعتقد الزوج أن الدعوى لا أساس لها؛ فعليه تقديم دلائل تدحض ادعاءات الزوجة.
السؤال الثاني: هل توافق على طلب الزوجة؟
هذا السؤال يهدف إلى تحديد موقف الزوج من طلب الزوجة بفسخ النكاح، فيحاول القاضي معرفة ما إذا كان الزوج يوافق على الفسخ أم أنه يرغب في استمرار العلاقة الزوجية، وهو جزء من جهود القاضي لمحاولة الإصلاح.
يمكن أن يختلف موقف الزوج بناءً على رؤيته للعلاقة الزوجية، فإذا كان موافقًا على الفسخ، يمكنه التعبير عن ذلك بوضوح مع إبداء تمسكه بأن تُعيد الزوجة المهر المُسلَم لها؛ لعدم قيام دعواها على أسباب معتبرة، أما إذا كان يرفض، عليه تقديم أسباب تدعم رغبته في استمرار العلاقة، مثل عدم وجود مبررات كافية لطلب الفسخ أو استعداده للتغيير والإصلاح.
السؤال الثالث: هل توافق على قرار الحكمين؟
في حال تم تعيين حكمين للإصلاح بين الزوجين، يريد القاضي معرفة مدى قبول الزوج للقرار الصادر عن الحكمين، ويعتبر هذا السؤال ضروريًا لتحديد ما إذا كانت هناك فرصة للوصول إلى تسوية بين الطرفين.
وإذا كان الزوج يرى أن قرار الحكمين عادل ويصب في مصلحة الطرفين، يمكنه الموافقة على القرار، أما إذا كان لديه اعتراضات على القرار، يجب أن يوضح الأسباب التي دفعته لعدم الموافقة ويقدم مبررات لذلك، ويكون له حق الاعتراض على الحكم الصادر متى ما كان في غير صالحه.
موضوعات ذات صلة: