بعد صدور حكم قضائي، قد تشعر بأن هناك خطأ ما قد حدث، لكنك لا تعرف كيف تعبر عنه بلغة نظامية صحيحة. إن مجرد الشعور بالظلم لا يكفي لقبول اعتراضك؛ فمحكمة الاستئناف تبحث عن أسباب نظامية واضحة ومحددة لنقض الحكم.
هذا الدليل مصمم خصيصًا ليترجم شعورك بالظلم إلى أسباب نظامية قوية. سنستعرض معك بالتفصيل الأسباب الجوهرية التي يعتد بها القضاء السعودي، والشروط الشكلية التي يجب أن تتوفر في اعتراضك حتى لا يُرفض قبل أن يُقرأ. وبعد فهمك لهذه الأسباب، ستكون جاهزًا لتعلم [كيفية صياغتها في مذكرة اعتراض مقنعة].
فهم هذه الأسباب هو خطوتك الأولى، ولكن تطبيقها على قضيتك يتطلب خبرة. في شركة نوماس للمحاماة، متخصصون في تحليل الأحكام وتحديد السبب الأدق والأكثر تأثيرًا في قضيتك. تواصل معنا لدراسة حكمك مجانًا واكتشاف أفضل أساس للاعتراض عليه.
وقبل أن ندخل في التفاصيل، إليك جدول ملخص لأسباب الاعتراض على الحكم وشروطه:
النقطة الأساسية | الشرح المبسط |
1. المصلحة في الاعتراض | يجب أن يكون الحكم قد ألحق بك ضررًا مباشرًا؛ لا يمكنك الاعتراض على حكم صدر لصالحك بالكامل. |
2. قابلية الحكم للاعتراض | ليست كل الأحكام قابلة للاعتراض، فهناك استثناء للدعاوى اليسيرة (التي لا تتجاوز 50 ألف ريال). |
3. الالتزام بالمدة النظامية | يجب تقديم الاعتراض خلال المدة المحددة (عادة 30 يومًا)، وإلا سقط حقك فيه نهائيًا. |
4. اكتمال بيانات المذكرة | يجب أن تشتمل لائحة الاعتراض على أسباب واضحة وطلبات محددة، وإلا قد ترفض شكلًا. |
5. الخطأ في تطبيق النظام | عندما يطبق القاضي نصًا نظاميًا في غير محله أو يفسره بشكل خاطئ. |
6. الفساد في الاستدلال | عندما تكون الحجج التي بنى عليها القاضي حكمه غير منطقية أو يستند إلى دليل ضعيف ويتجاهل دليلًا أقوى. |
7. القصور في التسبيب | إذا جاء الحكم خاليًا من الأسباب أو كانت أسبابه غامضة وغير كافية لتبرير النتيجة. |
8. مخالفة الثابت بالأوراق | عندما يثبت القاضي واقعة تخالف بشكل صريح ما هو موثق في مستندات القضية. |
9. الإخلال بحق الدفاع | عندما يتم منعك من تقديم دفاعك أو الرد على أدلة خصمك بشكل كامل ومناسب. |
10. البطلان في الإجراءات | وجود خطأ جوهري في إجراءات المحاكمة، كمخالفة قواعد الاختصاص أو إصدار حكم يناقض حكمًا نهائيًا سابقًا. |
11. مخالفة مبدأ قضائي | عندما يخالف الحكم مبدأً قضائيًا ملزمًا صادرًا عن المحكمة العليا. |
12. التناقض في الحكم | وجود تناقض بين أسباب الحكم نفسها، أو بين الأسباب والقرار النهائي (المنطوق). |
والآن، لنتعمق في تفصيل هذه الشروط والأسباب للاعتراض فيما يلي:
الشروط الشكلية لقبول الاعتراض: لا تهملها!
قبل الغوص في أسباب الاعتراض الموضوعية، هناك “بوابة عبور” يجب أن يجتازها طلبك أولًا، هذه هي الشروط الشكلية التي تتحقق منها المحكمة قبل قراءة حرف واحد من أسبابك، ومن ثَم؛ فإن إهمال أيٍ منها يعني رفض الاعتراض مباشرةً، لذا انتبه لها جيدًا.
1. أن تكون لك “مصلحة” في الاعتراض
يجب أن يكون الحكم قد ألحق بك ضررًا مباشرًا. ببساطة، لا يمكنك الاعتراض على حكم صدر لصالحك بالكامل. هذا المبدأ أكدت عليه المادة (177) من نظام المرافعات الشرعية التي نصت على:
“لا يجوز أن يعترض على الحكم إلا المحكوم عليه، أو من لم يقض له بكل طلباته…“، وكذلك المادة (3/1) من اللائحة التنفيذية لطرق الاعتراض التي أكدت أنه: “لا يجوز الاعتراض على الحكم ممن حُكم له بكل طلباته…“.
مثال توضيحي: تخيل أنك تطالب خصمك بمبلغ 100 ألف ريال، وحكم لك القاضي بالمبلغ كاملًا، لكنك لم تعجبك إحدى العبارات التي ذكرها القاضي في أسباب حكمه. في هذه الحالة، لا يمكنك الاعتراض لأنك “حُكم لك بكل طلباتك” ولم تعد لك مصلحة نظامية.
2. أن يكون الحكم قابلًا للاعتراض
كقاعدة عامة، جميع أحكام محاكم الدرجة الأولى قابلة للاعتراض. لكن هناك استثناء مهم يجب أن تعرفه، وهو ما نصت عليه المادة (185) من نظام المرافعات الشرعية بوجود استثناء لـ “الأحكام في الدعاوى اليسيرة التي يحددها المجلس الأعلى للقضاء”، ولقد حدد التعميم رقم تعميم رقم (1544/ت) وتاريخ 25-11-1441هـ
الدعاوى اليسيرة التي لا تزيد قيمة المطالبة فيها عن (50) ألف ريال، فالحكم الصادر فيها يكون نهائيًا وغير قابل للاعتراض بالاستئناف. يتفاجأ الكثيرون بهذا الأمر، لذا من المهم التأكد من قيمة المطالبة في قضيتك قبل البدء في إجراءات الاعتراض، سيما أنه توجد تكاليف قضائية للاعتراض (5000) ريال، فلا داعي لأن تخسر أموالك لهذا السبب.
علمًا بأن هذا القيد بمنع الاعتراض يسري حتى ولو ذكر قاضي الدرجة الأولى في حكمه بأنه يحق لأي طرف من أطراف الدعوى الاعتراض، وهذا من واقع عملي لامسناه في أحد القضايا للتجربة، فحضر قاضي الاستئناف وذكر كيف تقدمون اعتراض والدعوى يسيرة؟ وحكم مباشرة بعدم قبول الاعتراض.
3. الالتزام بالمدة النظامية
الوقت هو عامل حاسم. إذا فوتّ الموعد النهائي، يسقط حقك في الاعتراض نهائيًا. المدد محددة بصرامة في المادة (187) من نظام المرافعات الشرعية. (للتفاصيل الكاملة حول المدد وكيفية حسابها، يمكنك قراءة دليلنا المفصل: [مدة الاعتراض على الأحكام].
4. اكتمال بيانات مذكرة الاعتراض
يجب أن تكون مذكرة اعتراضك مكتملة البيانات الأساسية، ولقد شددت المادة (10) من اللائحة التنفيذية لطرق الاعتراض على وجوب اشتمال المذكرة على “الأسباب التي بني عليها الاعتراض، وطلبات المعترض”.
وأكدت نفس المادة أن المحكمة ستحكم من تلقاء نفسها بعدم قبول الاعتراض إذا لم تكن هذه البيانات مستوفاة. ولتضمن عدم إغفال أي من هذه البيانات، يمكنك الاستعانة بـ[نموذج لائحة اعتراضية جاهز] يشمل كافة الحقول المطلوبة نظامًا.
(8) أسباب جوهرية لنقض الحكم أمام محكمة الاستئناف
إذا تجاوز اعتراضك الشروط الشكلية، سيبدأ قضاة الاستئناف في فحص جوهر الموضوع، هذه هي الأسباب القوية التي إذا توفر أحدها في الحكم الصادر ضدك، فإن فرصة نقضه تكون عالية جدًا. وبمجرد تحديد السبب الأنسب لقضيتك، تأتي مرحلة تقديمه بشكل صحيح عبر القنوات الرسمية، وهي ما شرحناه بالتفصيل في دليلنا لـ[تقديم الاعتراض عبر ناجز].
1. الخطأ في تطبيق النظام أو تفسيره
هذا هو أشهر أسباب الاعتراض وأقواها. ويحدث عندما يطبق القاضي مادة نظامية على واقعة لا تنطبق عليها، أو يفسر نص المادة بشكل خاطئ.
مثال: في القضايا العمالية، قد يستند القاضي إلى المادة (80) من نظام العمل للحكم بفصل موظف، معتبرًا أن سبب الفصل مشروع. ولكن عند التدقيق، يتضح أن الإجراءات التي اتبعتها الشركة قبل الفصل تخالف ما نصت عليه نفس المادة، مما يجعل تطبيقها في غير محله ويتعين نقض الحكم.
2. الفساد في الاستدلال
هذا السبب يعني أن المنطق الذي بنى عليه القاضي حكمه كان فاسدًا، كأن يعتمد على دليل ضعيف أو غير منتج في القضية، ويتجاهل دليلًا أقوى منه، أو أن يستخلص نتيجة لا يؤدي إليها الدليل بشكل منطقي.
مثال قضائي واقعي: كيف نقض الاستئناف حكمًا بسبب الفساد في الاستدلال
في حكم حديث صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بمنطقة جازان برقم (4530548642)، يتجلى بوضوح معنى الفساد في الاستدلال.
وقائع القضية: شركة (مانحة امتياز) رفعت دعوى تطلب فيها “الحكم بفسخ عقد الامتياز” ضد إحدى المؤسسات (ممنوحة الامتياز) بسبب مخالفات تعاقدية، بالإضافة إلى طلب تعويض.
حكم المحكمة الابتدائية: رفضت المحكمة الدعوى بالكامل. وكان سبب رفضها لطلب الفسخ هو أن الشركة المدعية كانت قد أرسلت “إشعارًا بالفسخ” للمؤسسة قبل رفع الدعوى، فاعتبرت المحكمة أن العقد “مفسوخ بالفعل” ولا حاجة للحكم بفسخه مجددًا.
حكم محكمة الاستئناف (النقض): ألغت محكمة الاستئناف هذا الحكم، ووصفت النتيجة التي خلصت إليها المحكمة الابتدائية بأنها “غير صحيحة”. وأوضحت أن إشعار الفسخ هو مجرد خطوة، وأن حكم المحكمة هو الذي “يكشف الفسخ ويثبته بكل ما يترتب عليه من التزامات وآثار”.
وجه الفساد في الاستدلال هنا: أن المحكمة الابتدائية استدلت من “إشعار الفسخ” على نتيجة غير منطقية وهي (انتفاء الحاجة للحكم)، وتجاهلت أن الطلب الجوهري للمدعية هو “إثبات الفسخ قضائيًا” لترتيب آثاره النظامية، وهو ما صححته محكمة الاستئناف. (للاطلاع على تفاصيل الحكم، أضغط هنا)
مثال قضائي آخر: كيف نقض الاستئناف حكمًا استند إلى “الأصل” وتجاهل “القرينة”
الفساد في الاستدلال لا يقتصر فقط على تجاهل المستندات، بل يشمل أيضًا تجاهل القرائن القوية التي قد تكون أهم من “الأصل” المجرد في بعض الحالات. وقد جسد ذلك ببراعة حكم صادر عن دائرة الاستئناف الرابعة بالمحكمة التجارية بجدة برقم (4530359947).
وقائع القضية: شركة تأجير سيارات رفعت دعوى ضد مؤسسة تطالبها بمبلغ (135,164 ريالًا) كمتبقي أقساط متأخرة عن عقد تأجير سيارات منتهي بالتمليك يعود تاريخه إلى عام 1427هـ (أي قبل حوالي 17 عامًا من رفع الدعوى).
حكم المحكمة الابتدائية: حكمت المحكمة بإلزام المؤسسة المدعى عليها بدفع المبلغ كاملًا. وبنت حكمها على قاعدة “الأصل عدم السداد”، وبما أن المدعى عليها لم تقدم دليلاً قاطعًا على سدادها، حكمت للمدعية.
حكم محكمة الاستئناف (النقض): ألغت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي بالكامل، وحكمت برفض الدعوى. وكان سبب النقض هو أن المحكمة الابتدائية فسد استدلالها باعتمادها على “الأصل” وتجاهلها لقرائن أقوى منه بكثير.
ما هي القرائن التي اعتمد عليها الاستئناف؟
- قرينة السكوت الطويل: أوضحت المحكمة أن “السكوت عن المطالبة بالحق مدة طويلة مع القدرة عليها… دليل على تركه للحق وأمارة على عدم أحقيته له”، خاصة بين التجار الحريصين على أموالهم. فالانتظار لمدة 17 عامًا للمطالبة بدين تجاري هو أمر “مستبعد عادةً”.
- قرينة انتقال الملكية: ذكرت المحكمة أن “انتقال الملكية دليل الوفاء”، ففي عقود الإيجار المنتهي بالتمليك، لا يتم نقل ملكية السيارات إلا بعد سداد كامل الأقساط.
وجه الفساد في الاستدلال الذي تم تصحيحه: أن المحكمة الابتدائية تمسكت بـ “الأصل” (عدم السداد) بشكل نظري، بينما أعملت محكمة الاستئناف “القرائن” العملية والمنطقية (السكوت الطويل وانتقال الملكية) ورجحتها على الأصل، لأنها كانت أقوى في الدلالة على براءة ذمة المدعى عليها.
هذا الحكم يؤكد أن الاعتراض المبني على وجود قرائن قوية تجاهلها حكم أول درجة هو سبب جوهري ومؤثر جدًا في مرحلة الاستئناف. (للاطلاع على تفاصيل الحكم، أضغط هنا)
3. القصور في التسبيب
يجب أن يكون كل حكم قضائي “مُسبّبًا”، أي أن يوضح القاضي الأسانيد والحجج التي أوصلته إلى هذه النتيجة. فإذا جاء الحكم خاليًا من الأسباب أو كانت أسبابه غامضة ومجملة، فإنه يكون حكمًا معيبًا يستوجب النقض.
مثال: أن يصدر حكم تجاري من سطرين يقول: “اطلعت الدائرة على أوراق القضية، وحكمت بإلزام المدعى عليه بسداد المبلغ”، دون أن يوضح ما هي المستندات التي اعتمد عليها، ولماذا رجح أقوال طرف على الآخر، وما هو السند النظامي لحكمه. هذا الحكم يُعتبر قاصرًا في التسبيب.
4. مخالفة الثابت بالأوراق (الخطأ في فهم الوقائع)
يحدث هذا الخطأ عندما يثبت القاضي في حكمه واقعة تخالف بشكل صريح ما هو موجود وموثق في أوراق ومستندات القضية.
مثال قضائي واقعي: كيف نقض الاستئناف حكمًا تجاهل حجية المستندات
يعتبر تجاهل الأدلة والمستندات المقدمة في الدعوى أو تفسيرها بشكل خاطئ من أبرز أنواع مخالفة الثابت بالأوراق. وفي حكم صادر عن دائرة الاستئناف الثالثة بالمحكمة التجارية بالرياض برقم (4530521198)، نجد مثالاً واضحًا على ذلك.
وقائع القضية: شركة مدعية طالبت مصنعًا مدعى عليه بسداد مبلغ متبقٍ من قيمة بضاعة موردة، وقدمت لإثبات دعواها “مصادقة على الرصيد” مختومة من المدعى عليه، بالإضافة إلى إثباتات سداد جزئية (شيكات وحوالات) تمت بناءً على هذه المصادقة.
حكم المحكمة الابتدائية: رفضت المحكمة الدعوى بالكامل. وبررت حكمها بأن المدعى عليه “أنكر صحة المصادقة”، وأن المستندات المقدمة “لا يمكن الاعتماد عليها” لإثبات الحق، واستندت إلى أن الأصل هو تقديم عقد مكتوب.
حكم محكمة الاستئناف (النقض): ألغت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي بالكامل وحكمت مجددًا بإلزام المدعى عليه بسداد المبلغ. وكان سبب النقض جوهريًا، حيث أوضحت دائرة الاستئناف أن قضاء المحكمة الابتدائية “محل نظر”، وذلك للأسباب التالية:
- الإنكار المتأخر: المدعى عليها لم تنكر المصادقة بشكل صريح في أول إجابة لها، بل دفعت بعدم الصفة، وتأخرت في إنكار المستند حتى الجلسة الرابعة، مما يضعف إنكارها.
- حجية المحررات العادية: استندت محكمة الاستئناف إلى المادة (29/1) من نظام الإثبات، والتي تعتبر المحرر العادي (مثل المصادقة) حجة على من وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه. وبما أن الإنكار لم يكن صريحًا وفوريًا، فإن حجية المستند تظل قائمة.
- تجاهل الأدلة الأخرى: المحكمة الابتدائية تجاهلت دلالة “السدادات الجزئية” (الشيكات والحوالات) التي قدمتها المدعية، والتي تعتبر قرينة قوية على صحة الدين والمصادقة التي تم السداد بناءً عليها.
وجه الخطأ الذي تم تصحيحه: أن المحكمة الابتدائية خالفت الثابت بالأوراق وتجاهلت حجية مستندات منتجة في الدعوى، كما أخطأت في تطبيق قواعد الإثبات المتعلقة بكيفية وتوقيت الإنكار. محكمة الاستئناف، بقراءتها الصحيحة للأدلة وتطبيقها السليم للنظام، أعادت الحق إلى نصابه. (للاطلاع على تفاصيل الحكم، أضغط هنا)
5. الإخلال بحق الدفاع
حق الدفاع هو حق مقدس ومكفول نظامًا. أي إجراء يمنع أحد الخصوم من تقديم دفاعه أو الرد على خصمه بشكل كامل يجعل الحكم باطلًا.
مثال: قدم الخصم مذكرة جوابية من 20 صفحة في نهاية الجلسة. وعليه، طلبت أجلًا للرد عليها ودراستها، إلا أن القاضي رفض طلبك وأقفل باب المرافعة وقرر حجز القضية للحكم. هذا الإجراء يعتبر إخلالًا جوهريًا بحقك في الدفاع.
6. البطلان في الإجراءات
سير الدعوى يخضع لإجراءات نظامية محددة، ومخالفة هذه الإجراءات قد يبطل الحكم. ومن أهم هذه الإجراءات ما يتعلق بالاختصاص. وقد أفرد له المنظم المادة (181) من نظام المرافعات الشرعية التي نصت على أنه:
“إذا اعترض على الحكم لمخالفته الاختصاص وجب على المحكمة التي تنظر الاعتراض أن تقتصر على بحث الاختصاص“.
مثال قضائي واقعي: نقض حكم خالف حجية أحكام سابقة
من أخطر أنواع البطلان الإجرائي الذي يستوجب نقض الحكم هو أن يصدر حكم جديد يتناقض مع حكم سابق صدر بين نفس الخصوم في نفس الموضوع واكتسب الصفة النهائية. هذا المبدأ يُعرف بـ “حجية الأمر المقضي به”، والذي يعني أن الحكم النهائي هو عنوان الحقيقة ولا يجوز إعادة فتح النزاع فيه.
وقد جسد ذلك بوضوح حكم صادر عن دائرة الاستئناف الثالثة بالمحكمة التجارية بالرياض برقم (4530327444).
وقائع القضية: شركة مدعية طالبت مؤسسة مدعى عليها بتسليم عدد (76) كشكًا كانت قد احتجزتها لديها.
حكم المحكمة الابتدائية: حكمت المحكمة بإلزام المؤسسة المدعى عليها بتسليم الأكشاك، وبنت حكمها على أن المؤسسة “محتجزة للأكشاك” وأنها “ناكِلة” عن الرد على وصفها.
حكم محكمة الاستئناف (النقض): ألغت محكمة الاستئناف هذا الحكم بالكامل. وكان السبب الجوهري للنقض هو أن قضاء المحكمة الابتدائية بأن المؤسسة “محتجزة للأكشاك” يخالف ما ورد في أحكام سابقة ونهائية بين نفس الطرفين.
كيف تم النقض؟ أوضحت محكمة الاستئناف في أسبابها أن الأحكام السابقة أثبتت أن “المدعية (الشركة) هي الممتنعة عن استلام الأكشاك طيلة السنوات الماضية”. وبناءً عليه، فإن الحكم الابتدائي الجديد الذي وصف المدعى عليها بأنها “محتجزة” للأكشاك هو حكم باطل لأنه يناقض حقيقة قضائية ثابتة ومستقرة بحكم نهائي.
وجه الخطأ الذي تم تصحيحه: أن المحكمة الابتدائية تجاهلت حجية الأحكام السابقة، وأعادت تقييم واقعة “من المسؤول عن عدم التسليم” التي سبق الفصل فيها. محكمة الاستئناف، بتطبيقها الصارم لمبدأ حجية الأمر المقضي به، أعادت الأمور إلى نصابها وألغت الحكم الباطل، ثم قامت بحل النزاع بشكل عملي عبر ندب خبير لإنهاء عملية التسليم.
هذا المثال يوضح أن الاعتراض المبني على مخالفة حكم سابق ونهائي هو من أقوى أسباب الاعتراض التي يمكن التمسك بها أمام محكمة الاستئناف. (للاطلاع على تفاصيل الحكم، أضغط هنا)
7. مخالفة مبدأ قضائي صادر عن المحكمة العليا
المحكمة العليا تضع مبادئ قضائية تكون بمثابة قواعد ملزمة للمحاكم الأدنى. مخالفة الحكم لأحد هذه المبادئ هو سبب قوي للاعتراض، وقد اعتبرت المادة (40) من اللائحة التنفيذية لطرق الاعتراض أن هذا النوع من الاعتراض
“يُعَدّ اعتراضًا لمخالفة النظام“.
مثال: إذا صدر حكم بتعويض عامل عن فصل تعسفي، ثم حكم له في نفس الوقت بقيمة رواتب باقي مدة العقد، فإن هذا الحكم يكون مخالفًا لمبدأ قضائي مستقر صادر عن المحكمة العليا يمنع الجمع بين هذين التعويضين.
8. التناقض في أسباب الحكم أو مع منطوقه
يجب أن يكون الحكم متسقًا ومنطقيًا، فإذا تناقضت الأسباب مع بعضها البعض، أو جاء المنطوق (القرار النهائي) متناقضًا مع الأسباب التي بني عليها، فإن هذا يجعله حكمًا معيبًا.
مثال: ذكر القاضي في أسباب حكمه “وقد ثبت للدائرة من خلال تقرير الخبير أن قيمة الأضرار في السيارة هي 15 ألف ريال”. ثم في منطوق الحكم قضى بـ “إلزام المدعى عليه بدفع مبلغ 10 آلاف ريال” دون أن يوضح سبب هذا الاختلاف. هذا تناقض واضح بين الأسباب والمنطوق يستوجب النقض.
كيف تحدد السبب الأنسب لقضيتك؟ هنا يأتي دور الخبير
قد تبدو بعض هذه الأسباب متشابهة، وقد ينطبق أكثر من سبب على حكمك. التحدي يكمن في اختيار السبب الأكثر تأثيرًا وترتيب الأسباب في لائحة الاعتراض بشكل منطقي وقانوني مقنع.
في شركة نوماس للمحاماة، لا نكتفي بتحديد السبب، بل نبنيه على أسس قوية من الأنظمة واللوائح والسوابق القضائية. مهمتنا هي تحويل نقطة الضعف في الحكم إلى نقطة قوة في اعتراضك.
الأسئلة الشائعة حول أسباب الاعتراض على الأحكام
الشعور بالظلم هو إحساس شخصي، لكن محكمة الاستئناف لا تنظر للمشاعر بل تبحث عن أسباب نظامية محددة. لكي يُقبل اعتراضك، يجب أن تترجم هذا الشعور إلى سبب نظامي واضح، مثل “الخطأ في تطبيق النظام” أو “الفساد في الاستدلال”، وهو ما يوضحه هذا المقال بالتفصيل. مجرد القول بأن الحكم “غير عادل” لا يُعد سببًا كافيًا لنقضه.
لا، القاعدة العامة هي قبول الاعتراض، لكن هناك استثناء مهم. الأحكام الصادرة في “الدعاوى اليسيرة”، وهي التي لا تتجاوز قيمة المطالبة فيها 50 ألف ريال، تعتبر أحكامًا نهائية وغير قابلة للاعتراض بالاستئناف. لذلك، من الضروري التحقق من قيمة مطالبتك قبل البدء في إجراءات الاعتراض.
هذا يعتمد على كيفية تعامل القاضي مع الأدلة. إذا كان القاضي قد اطلع على أدلتك ووازن بينها وبين أدلة خصمك ثم أصدر حكمه بناءً على سلطته التقديرية (قناعته)، فالاعتراض هنا يكون صعبًا. أما إذا تجاهل القاضي مستندًا جوهريًا ومؤثرًا بشكل كامل، أو أثبت واقعة تخالف ما هو مدوّن في أوراق القضية، فهنا يتحول الأمر إلى سبب قوي للاعتراض يسمى “مخالفة الثابت بالأوراق” أو “الفساد في الاستدلال”.
إذا كان حكمك معيبًا بأكثر من سبب، فهذا يزيد من قوة موقفك. الأفضل هو ترتيب الأسباب في لائحة الاعتراض حسب قوتها وتأثيرها، والبدء بالأسباب الشكلية (مثل مخالفة الاختصاص) ثم الانتقال إلى الأسباب الموضوعية (مثل الخطأ في تطبيق النظام أو الفساد في الاستدلال). تحديد السبب الأقوى وتقديمه بشكل قانوني سليم هو مفتاح نجاح الاعتراض.
لا، ذكر اسم السبب (مثل “القصور في التسبيب”) لا يكفي. يجب أن تشتمل لائحة الاعتراض على شرح مفصل لكيفية انطباق هذا السبب على حكمك تحديدًا. عليك أن توضح أين أخطأ القاضي، وكيف أثر هذا الخطأ على النتيجة، مع تدعيم موقفك بالأنظمة والمواد النظامية والأدلة من ملف القضية.
وأخيرًا، يعتبر هذا الدليل جزءًا أساسيًا من [الدليل الشامل للاعتراض على الأحكام في السعودية]، الذي يغطي كافة جوانب العملية من الألف إلى الياء.
مقالات ذات صلة
1. كيف تكتب مذكرة اعتراض على حكم بالسعودية (شرح 8 نصائح ذهبية)
2. مدة الاعتراض على الحكم في السعودية: الدليل الكامل لحساب المواعيد النظامية
3. تحميل نموذج لائحة اعتراضية على حكم (Word و PDF) مع شرح تعبئته
4. ماذا يحدث بعد الاعتراض على الحكم؟ شرح لمراحل الاستئناف في ناجز