مع التقدم التكنولوجي السريع وانتشار استخدام الإنترنت في جميع جوانب الحياة؛ ظهرت جرائم جديدة تتعلق بالعالم الرقمي تُعرف بـ”الجرائم المعلوماتية”، وهذه الجرائم وضع لها المُنظِم السعودي نظامًا خاصًا يُسمى بـ”نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية“.
والمُلاحَظ في هذا النظام أنه لم يُحدد للعقوبة حدًا أدنى يكون القاضي متقيدًا به عند الحكم في القضية، وإنما اكتفى النظام بتحديد الحد الأعلى للعقوبة سواء كانت السجن أو الغرامة، وترك الحد الأدنى لتقدير القاضي؛ ليكون له كامل السلطة التقديرية في هذا الشأن.
ونحن في منيع للمحاماة نخبركم بأن هذا الشيء جيد للغاية بالنسبة للمتهمين؛ حيث نتمكن من الحصول على أقل مدة محكومية ممُكنة بناءً على الاعتبارات والظروف المتاحة التي نتقدم بها للمحكمة بالنيابة عن موكلنا، وهذا بالطبع في القضايا التي لا يكون فيها وجهًا للبراءة.
وبالنسبة لعقوبات السجن والغرامة المُقررة في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية فهي مُقسمةٌ إلى ستة مستويات مختلفة، كل مستوى يرتبط بنوع معين من الجرائم المعلوماتية، نُبينها تفصيلًا على النحو التالي:
النوع الأول: جرائم الوصول غير المشروع والاحتيال الإلكتروني
هذا النوع من الجرائم المعلوماتية منصوصٌ عليه بالمادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وهي تتحقق بأيٍ من الأفعال الآتية:
1- التعدي على الحياة الخاصة: من خلال إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا أو أي أجهزة مشابهة، كأن يلتقط المتهم مقطع فيديو لشخص آخر بشكلٍ غير لائق بدون إذنه، علمًا بأن هذا الفعل يتحقق بمجرد التعدي بالتصوير حتى ولو لم يتم نشر التصوير أو التهديد به.
2- التشهير بالآخرين: وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة، بما تشمله من كافة وسائل التواصل الاجتماعي مثل السناب شات أو تويتر أو الانستغرام أو التيك توك أو حتى الحالات بتطبيق الواتساب.
3- التنصت أو الاعتراض أو التقاط: ما يتم إرساله عبر الشبكة المعلوماتية [الإنترنت] أو أجهزة الحاسب الآلي دون مبرر نظامي صحيح.
4- الدخول غير المشروع: بهدف تهديد شخص أو ابتزازه؛ لإجباره على القيام بفعل أو الامتناع عنه، حتى ولو كان هذا الفعل أو الامتناع المطلوب -من الشخص المُعرَض للابتزاز- هو فعل أو امتناع نظاميٌ أصلًا، فمع ذلك تقوم الجريمة ويُعاقب المتهم متى ثبتت إدانته.
5- الدخول غير المشروع: إلى موقع إلكتروني، أو الدخول إلى موقع إلكتروني بغرض تغيير تصاميمه، أو إتلافه، أو تعديله، أو استغلال عنوانه.
ولقد حددت الفقرة (7) من المادة الأولى من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية المقصود بعبارة “الدخول غير المشروع” بأنه الدخول المتعمد لشخص إلى حاسب آلي، أو موقع إلكتروني، أو نظام معلوماتي، أو شبكة حاسبات آلية دون أن يكون مصرحًا له بذلك، كأن يسرق بيانات الدخول وكلمة المرور، أو يتعدى حدود المهمة الموكلة إليه بخصوص الحسابات الإلكتورنية المُسلمة له، أو أن يدخل خِلسة دون علمٍ أو إذنٍ من صاحب الحساب.
العقوبة المُقررة بالمادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية
إذا تمكنت النيابة العامة من إثبات أن المتهم [المدعى عليه] قام بأي فعل من الأفعال التي ذكرناها أعلاه؛ فيكون حينها مُرتكبًا لجريمة معلوماتية خاضعةً لنص المادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، ولقد حددت هذه المادة العقوبة المُقررة في هذه الحالة، وهي:
1- السجن: لمدة لا تزيد على عام واحد.
2- الغرامة: بمقدار لا يزيد على (خمسمائة) ألف ريال سعودي.
يختار القاضي أي من هاتين العقوبتين؛ ليحكم بها على المتهم، وذلك متى ثبتت إدانته، كما يمكن للقاضي أن يطبق العقوبتين دفعة واحدة، علمًا بأن تحديد مدة السجن ومقدار الغرامة يكون خاضعًا إلى تقدير القاضي حسب اعتبارات وضوابط معينة سنتكلم عنها بعد قليل…
النوع الثاني: جرائم الاعتداء على الأموال أو البيانات البنكية
تنص المادة الرابعة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية على العقوبات المقررة للأفعال التي تتضمن الاستيلاء على الأموال أو البيانات بطرق غير نظامية، وهي كالتالي:
1- الاستيلاء على مال منقول أو سند: بطريقة احتيالية، مثل استخدام أساليب غير نظامية للحصول على المال أو توقيع السندات باسم كاذب.
2- اتخاذ اسم كاذب أو انتحال صفة غير صحيحة: يشمل هذا الفعل استخدام هويات مزورة أو انتحال صفات غير حقيقية لتحقيق الأغراض الاحتيالية، مثل تقديم معلومات زائفة للحصول على فوائد غير مستحقة.
3- الوصول إلى بيانات بنكية أو ائتمانية: يشير إلى الدخول غير المصرح به إلى البيانات المتعلقة بالحسابات البنكية أو بطاقات الائتمان، دون وجود مسوغ نظامي صحيح.
4- الوصول إلى بيانات ملكية أوراق مالية: يتضمن الدخول غير المصرح به إلى المعلومات المتعلقة بملكية الأوراق المالية مثل الأسهم والسندات؛ للحصول على بيانات أو معلومات أو أموال أو خدمات تقدمها هذه البيانات.
العقوبة المقررة للنوع الثاني من الجرائم المعلوماتية
في حال ثبت قيام المتهم بأي فعل من الأفعال المذكورة أعلاه؛ فيكون حينها مُرتكبًا لجريمة معلوماتية خاضعةً لأحكام المادة الرابعة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وهي قد حددت العقوبات فيما يلي:
1- السجن: مدة لا تزيد على ثلاث سنوات.
2- الغرامة: بمقدار لا يتجاوز مليوني ريال سعودي.
يمكن للقاضي أن يحكم بإحدى العقوبتين أو كلاهما، بناءً على طبيعة الجريمة والأدلة المقدمة، ويتولى القاضي تقدير العقوبة وفقًا للظروف المحددة لكل قضية.
النوع الثالث: الاعتداء على الشبكة المعلوماتية أو المواقع والبيانات
تحدد المادة الخامسة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية الأفعال المُجرمة التي تشمل الإضرار بالبيانات والشبكات المعلوماتية، وهي:
1- إلغاء البيانات أو حذفها: يشمل الدخول غير المصرح به لإلغاء أو حذف البيانات الخاصة، مما يعطل وصول الأفراد إلى المعلومات المهمة.
2- تدمير أو تسريب البيانات: يتضمن التلاعب بالبيانات لتدميرها أو تسريبها بطرق غير نظامية، مما يهدد سرية المعلومات وسلامتها.
3- تغيير البيانات أو إعادة نشرها: يشمل تعديل محتوى البيانات أو إعادة نشرها دون إذن، مما يشوه المعلومات الأصلية أو يؤدي إلى استغلالها بشكل غير مشروع.
4- إيقاف أو تعطيل الشبكة: يتضمن التلاعب بالشبكة المعلوماتية لإيقاف عملها أو تعطيلها، مما يؤثر على قدرة النظام على أداء وظائفه بشكل طبيعي.
5- تدمير أو مسح البرامج والبيانات: يشمل تدمير أو مسح البرامج أو البيانات الموجودة على الشبكة، مما يؤثر على أدائها ووظائفها.
6- حذف أو تسريب أو تعديل البيانات: يتضمن حذف أو تسريب أو تعديل البيانات المخزنة على الشبكة بطرق غير نظامية.
7- تشويش أو تعطيل الخدمة: يشير إلى استخدام أي وسيلة لتعطيل الخدمة أو تشويشها، مما يمنع المستخدمين من الوصول إلى الخدمات أو المعلومات المقدمة عبر الشبكة.
العقوبة المقررة للنوع الثالث من الجرائم المعلوماتية
إذا ثبتت إدانة المتهم بأي من الأفعال المذكورة أعلاه، فإن ذلك يجعله مرتكبًا لجريمة معلوماتية وفقًا لأحكام المادة الخامسة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وقد حددت المادة العقوبات التالية:
1- السجن: مدة لا تتجاوز أربع سنوات.
2- الغرامة: بمقدار لا يتجاوز ثلاثة ملايين ريال سعودي.
يملك القاضي السلطة لاختيار العقوبة المناسبة من بين العقوبتين أو فرض كلاهما، بناءً على نوع الجريمة وملابساتها. يقوم القاضي بتحديد العقوبة الأنسب وفقًا للظروف الخاصة بكل قضية، مع الأخذ بعين الاعتبار الأضرار التي نتجت عن الجريمة وتأثيرها على الأفراد والمجتمع.
النوع الرابع: جرائم الاعتداء على النظام العام والقيم الدينية
تحدد المادة السادسة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية الأفعال المُجرمة التي تشمل المساس بالنظام العام والقيم الدينية والأخلاقية عبر الوسائل الإلكترونية، فتتضمن الأفعال التالية:
1- المساس بالنظام العام والقيم الدينية: بإنتاج أو إعداد أو إرسال أو تخزين مواد تسيء إلى النظام العام، القيم الدينية، الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة عبر الشبكة المعلوماتية أو أجهزة الحاسب الآلي.
2- الإتجار في الجنس البشري: يشمل إنشاء مواقع على الشبكة المعلوماتية أو أجهزة الحاسب الآلي بهدف الإتجار بالبشر أو تسهيل هذا الإتجار.
3- الأنشطة الإباحية: يتضمن إنشاء أو نشر مواد أو بيانات تتعلق بالشبكات الإباحية أو الأنشطة المخلة بالآداب العامة، وترويجها.
4- الإتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية: يشمل إنشاء مواقع على الشبكة أو أجهزة الحاسب الآلي للإتجار بالمخدرات أو المؤثرات العقلية، أو ترويجها، أو تقديم معلومات حول طرق تعاطيها.
العقوبة المقررة بالمادة السادسة من نظام الجرائم المعلوماتية
إذا ثبت ارتكاب أي من الأفعال المذكورة، فإن العقوبات التي تحددها المادة السادسة هي:
1- السجن: مدة لا تتجاوز خمس سنوات.
2- الغرامة: بمقدار لا يتجاوز ثلاثة ملايين ريال سعودي.
يتمتع القاضي بسلطة تقديرية في اختيار العقوبة المناسبة للجريمة، حيث يمكنه اختيار إحدى العقوبتين أو الجمع بينهما، وذلك وفقًا لطبيعة الجريمة والأدلة المقدمة ومقدار جسامة الفعل المُرتكَب من المتهم.
من الجدير بالذكر أنه قبل عام 1436هـ كانت العقوبات المُقررة لهذا النوع من الجرائم المعلوماتية مقصورًا على السجن والغرامة بالتفصيل المُبين أعلاه، ولكن صدر المرسوم الملكي رقم (م/54) بتاريخ 22/07/1436هـ؛ ليضيف عقوبة أخرى جوازية للقاضي، تتمثل في “نشر ملخص الحكم“؛
إذ يمكن للقاضي تضمين حكم العقوبة النص على نشر ملخص الحكم على نفقة المحكوم عليه في صحيفة أو أكثر من الصحف المحلية، أو عبر أي وسيلة إعلامية مناسبة، ويتم النشر بعد اكتساب الحكم الصفة النهائية، وذلك وفقًا لنوع الجريمة المرتكبة وجسامتها وتأثيرها.
النوع الخامس: التحريض أو المساعدة أو الاتفاق لارتكاب جريمة معلوماتية
نصت المادة التاسعة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية على العقوبات للأشخاص الذين يقومون بالتحريض أو المساعدة أو الاتفاق على ارتكاب جرائم معلوماتية، ويُطلق عليها قانونًا “المساهمة الجنائية“، وتختلف العقوبة هنا بين حالتين:
1- العقوبة في حالة وقوع الجريمة: إذا تم ارتكاب الجريمة بناءً على التحريض، المساعدة، أو الاتفاق، يُعاقب المحرض أو المساعد أو المتفق معه بالعقوبة المقررة للجريمة الأصلية، ولا تتجاوز العقوبة الحد الأعلى المقرر لها، وذلك حسب نوع الجريمة المعلوماتية المُرتكبة، والتي فصلناهم أعلاه.
2- العقوبة في حالة عدم وقوع الجريمة: إذا لم تقع الجريمة الأصلية يُعاقب المحرض أو المساعد أو المتفق معه بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة للجريمة الأصلية، وذلك إذا لم تتم الجريمة كما كان مخططًا لها.
ويتم تحديد العقوبة بناءً على مدى دور الشخص في الجريمة والأثر الذي أحدثه التحريض أو المساعدة أو الاتفاق.
النوع السادس: الشروع في ارتكاب جريمة معلوماتية
تنص المادة العاشرة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية على العقوبات المتعلقة بالشروع في ارتكاب الجرائم المعلوماتية، وقبل بيان العقوبة يتعين علينا تعريف الشروع أصلًا.
ويقصد بـ”الشروع في الجريمة“: البدء في تنفيذ الأفعال التي تهدف إلى ارتكاب جريمة معلوماتية، ولكن لم تكتمل بعد، وبعبارة أخرى، هو مرحلة تقوم فيها الجريمة بالتحضير أو التنفيذ الجزئي دون الوصول إلى النتيجة النهائية المقررة للجريمة.
مثال توضيحي: إذا حاول شخص ما الدخول غير المشروع إلى نظام معلوماتي ولكنه تم القبض عليه قبل إتمام العملية، فإنه يُعتبر في مرحلة الشروع.
والعقوبة التي يتعرض لها مرتكب جريمة الشروع هي نصف العقوبة المقررة للجريمة المعلوماتية حسب نوعها من الأنواع التي بيناها أعلاه، فلو كانت العقوبة المقررة للجريمة الأصلية هي السجن لمدة خمس سنوات، على سبيل المثال، فإن العقوبة للشروع في ارتكاب هذه الجريمة قد تصل إلى سنتين ونصف، أي نصف الحد الأعلى للعقوبة.
حالات الإعفاء من عقوبة الجرائم المعلوماتية
لقد أجازت المادة (11) من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية للقاضي السُلطة في إعفاء المتهم من العقوبة، إذا بادر بالإبلاغ عن الجريمة، وللإعفاء هنا حالتين:
1- الإبلاغ قبل العلم بالجريمة: إذا كان إبلاغ المتهم عن الجريمة قبل علم السلطات بالجريمة، وقبل اكتمال الجريمة، وتحقق آثارها، وهو وقوع الضرر؛ فيمكنه الحصول على إعفاء من القاضي.
2- الإبلاغ بعد العلم بالجريمة: إذا كان الإبلاغ بعد علم السلطات بالجريمة؛ فهنا يُشترط أن يُساعد الإبلاغ على ضبط باقي الجناة عند تعددهم، أو على ضبط الأدوات المستخدمة في الجريمة.
يُنصح بالتواصل مع محامٍ متخصص في هذا النوع من القضايا في أقرب وقت ممكن؛ لمحاولة السعي في استفادة المتهم من حالة الإعفاء الثانية، ونحن في منيع للمحاماة يسعدنا مساندتكم في هذا الشأن.
أحوال تخفيف عقوبة الجرائم المعلوماتية
على الرغم من العقوبات الصارمة التي قررها نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، إلا أن القاضي له السلطة التقديرية للنزول بالعقوبة إلى أدنى حد مُمكن، ويعتمد ذلك بشكل أساسي على قوة الحالات والاعتبارات المُقدمة أمام القاضي لطلب تخفيف العقوبة، ولا يوجد عدد محدد من هذه الحالات، ولكن من واقع مباشرتنا في منيع للمحاماة لعدد ضخم من هذا النوع من القضايا، يُمكننا أن نشارككم أهم حالات التخفيف فيما يلي:
1- مراعاة حال المتهم: عند تحديد العقوبة، يمكن للقاضي أخذ الحالة الشخصية للمتهم بعين الاعتبار، وتتضمن هذه الحالة وضع المتهم الاجتماعي والإنساني والمادي، وخلو سجله من السوابق، وأي ظروف شخصية قد تؤثر على درجة المسؤولية بالإيجاب، على سبيل المثال، قد تؤدي ظروف المتهم الصحية أو الاجتماعية إلى تخفيف العقوبة.
2- تسبب العقوبة في ضرر جسيم: في بعض الحالات، يمكن أن يتسبب تنفيذ العقوبة في ضرر جسيم للمتهم يفوق الجريمة المرتكبة، ويمكن للقاضي أن يأخذ في اعتباره الآثار السلبية الكبيرة التي قد تترتب على المتهم أو عائلته جراء العقوبة، مما قد يدفعه إلى تخفيف العقوبة لتجنب أضرار غير مبررة.
3- التدرج في العقوبة: تطبيق مبدأ التدرج في العقوبة يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في تقليل العقوبة، ويهدف هذا المبدأ إلى أن تتناسب العقوبة مع الجريمة بناءً على شدتها وأبعادها، مما يعني أن العقوبات قد تكون أخف في الحالات التي يتم فيها إثبات أن الجريمة لم تكن ذات تأثير كبير أو كانت من نوع أقل خطورة.
4- الغرض من العقوبة الزجر وليس الإيلام: لا شك أن الغرض الأساسي من العقوبة هو الزجر والردع، وليس الإيلام غير المبرر، وقد ينظر القاضي إلى مدى فعالية العقوبة في تحقيق الهدف المرجو منها بدلاً من التركيز على الألم الذي قد تسببه، مما يتيح له إمكانية تخفيف العقوبة إذا كانت العقوبة الأكثر قسوة لا تسهم في تحقيق الهدف المنشود.
هذه بعض حالات التخفيف التي يعتمد عليها القاضي عند تقديره للعقوبة المتعين الحكم بها ضد المتهم في الجريمة المعلوماتية، ولا شك أن هذه الحالات لا يحكم بموجبها القاضي من تلقاء نفسه، وإنما يتعين بيانها له، وتقديمها إليه من خلال دفاع قوي يقدمه المحامي بالقضية، وهذا ما نحن متمكنون منه في منيع للمحاماة، ويسعدنا تواصلكم لنساندكم.
حالات تشديد العقوبة في الجرائم المعلوماتية
سبق أن بينّا في بداية مقالنا أن المُنظِم حينما حدد العقوبات المقررة لأنواع الجرائم المعلوماتية؛ فإنه لم يضع حدًا أدنى للعقوبة سواء السجن أو الغرامة، وأكدنا على أن هذا أمرًا جيدًا بالنسبة للمتهم؛ لما فيه من فرصة قوية للحصول على مدة محكومية قليلة للغاية بناءً على الاعتبارات المُقدمة.
ومن هذا المنطلق، وحينما قرر المُنظِم تقرير الحالات التي يتعين فيها تشديد العقوبة في الجرائم المعلوماتية؛ فإنه وضع حدًا أدنى للعقوبة، بمعنى أنه في حال توفرت أي من حالات التشديد؛ فلا يكون للقاضي سلطة تقديرية للحكم بالحد الأدنى الذي يراه مناسبًا، وإنما يكون مقيدًا بعدم النزول عن نصف العقوبة المُقررة للجريمة المعلوماتية المُرتكبة، بحسب نوعها من الأنواع التي فصلناها أعلاه.
على سبيل المثال: في العقوبة المُقررة للنوع الأول التي مقدراها السجن لمدة لا تزيد على عام، والتي كانت تتيح للقاضي تقدير الحد الأدنى باجتهاده، ولو كان شهرًا، أو حتى يومًا، فإنه في حال توافر الظروف المشددة؛ يكون الحد الأدنى للعقوبة لا يقل عن ستة أشهر، ولا يملك القاضي النزول عنه.
وأما عن حالات التشديد فقد حددتها المادة الثامنة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، على النحو التالي:
1- ارتكاب الجريمة من خلال عصابة منظمة: عندما يقوم الجاني بارتكاب الجريمة عبر مجموعة منظمة من الأفراد، فإن هذا يعزز من خطورة الجريمة ويزيد من تعقيدها، فالعصابات المنظمة تستخدم هيكلًا منسقًا لتنفيذ الجرائم بطرق أكثر فاعلية، مما يستدعي تطبيق عقوبات أكثر صرامة، سيما مع خطورة هذه العصابات على استقرار وأمان المجتمع السعودي.
2- استغلال الوظيفة العامة أو النفوذ: إذا ارتكب الجاني الجريمة أثناء شغله وظيفة عامة، وكانت الجريمة متصلة بهذه الوظيفة، أو إذا استغل سلطاته ونفوذه في ارتكاب الجريمة، حيث إن المنظم السعودي يعتبر ذلك من الاعتبارات التي تزيد من خطورة الجريمة وتؤثر على نزاهة الوظيفة العامة؛ ولذلك شدد فيها العقوبة.
3- التغرير بالقُصَّر واستغلالهم: عندما يُغرر الجاني بالقُصَّر أو من في حكمهم لاستغلالهم في ارتكاب الجرائم المعلوماتية، فإن هذا يمثل انتهاكًا لحقوق الأطفال واليافعين ويعرضهم لمخاطر كبيرة، فاستغلال القُصَّر يعد من الأفعال الخطيرة التي تتطلب عقوبات مشددة للحفاظ على حماية الفئات الضعيفة.
4- صدور أحكام سابقة بالإدانة: إذا كان الجاني قد صدر بحقه أحكام محلية أو أجنبية بالإدانة في جرائم معلوماتية مشابهة، وهو ما يُطلق عليه قانونًا مصطلح “العود“، ويقصد به ارتكاب المتهم جريمة بعد أخرى حكم فيها نهائيًا، أي أن العود ينشأ عن تكرار وقوع الجرائم من شخص واحد بعد الحكم نهائيًا في إحداها أو بعضها.
مع وجود حالات مُشددة في قضية جرائم معلوماتية؛ تزيد الحاجة المُلحة لتوكيل محامي ليتولى مهمة الدفاع والترافع عن المتهم، ونحن في منيع للمحاماة لدينا الخبرات والكفاءات التي تُمكنا من مساعدتكم في هذا الشأن، فلا تترددوا بالتواصل.
العقوبات الجوازية للجرائم المعلوماتية
لم يكتفِ نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بعقوبتي السجن والغرامة حال ثبت إدانة المتهم بارتكابه لأي نوع من أنواع الجرائم المعلوماتية، وإنما أتاح النظام في مادته رقم (13) السلطة الجوازية للقاضي للحكم إما بالمصادرة أو الإغلاق، ونتناولهما بالشرح فيما يلي:
أولًا: المصادرة
قد ترِد المصادرة على الأموال المكتسبة بغير حق، كالأموال الناتجة عن الجريمة، أو الأداة المستعملة فيها، سواء كانت في صورة أجهزة إلكترونية أو أسلحة أو غيرها.
يُشترط لإمكانية الحكم بالمصادرة ما يلي:
1- الشرط الأول: أن يثبُت للمتهم القصد الإجرامي وسوء النية.
2- الشرط الثاني: أن تكون المواد مُستعملةً في الجريمة، أو تكون الأموال مُحصلة من أي من الجرائم المعلوماتية التي بيناها أعلاه.
3- الشرط الثالث: أن يكون المالك على علم بالجريمة.
ثانيًا: الإغلاق
فقد يحكم القاضي بإغلاق المنشأة ذات العلاقة بالجريمة المعلوماتية إغلاقًا نهائيًا أو مؤقتًا، ولقد فتح نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية المجال أمام القاضي للاجتهاد في شأن تلك العقوبة، ولكن وضع لها ثلاثة شروط هي:
1- الشرط الأول: أن يثبُت للمتهم القصد الإجرامي وسوء النية.
2- الشرط الثاني: أن تكون المنشأة أو مكان تقديم الخدمة مصدرًا لارتكاب أي من هذه الجرائم المعلوماتية.
3- الشرط الثالث: أن يكون مالك المنشأة على علم باستعمال منشأته في ارتكاب الجريمة.
وهكذا، متى توافرت الشروط السابقة، كان للقاضي تطبيق عقوبة الإغلاق بالقدر الذي يراه مناسبًا.
ختامًا، إن الفهم الكامل للمواد النظامية والعوامل المؤثرة في تحديد العقوبات يمكن أن يسهم في تحقيق نتائج أكثر إنصافًا وفعالية، فتبقى العدالة الهدف الأسمى في جميع الإجراءات النظامية، ويجب أن تكون العقوبات دائمًا متناسبة مع الجرائم المرتكبة، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الفردية والاعتبارات الإنسانية.
موضوعات أخرى قد تهمك: