بيع منزل الورثة مع رفض وريث: دعوى قسمة تركة إجبار عقارية (1446هـ)

بيع منزل الورثة مع رفض وريث

فهرس محتويات المقال

يمكنك النقر على أي عنوان بجدول المحتويات أدناه؛ للانتقال إليه مباشرةً 
إخفاء

أهم الشروط الواجب توافرها ليتمكن الورثة من بيع منزل مورثهم، هو أن تكون هناك موافقة من جميع الورثة؛ إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال المضي قدمًا في بيع المنزل دون الحصول على هذه الموافقة كاملةً، بالإضافة إلى عدد من الشروط سبق أن فصلناها في مقالنا التالي [شروط بيع بيت الورثة].

ولكن قد يحدث أن يرفض الوريث بيع نصيبه من المنزل لأي سببٍ كان، ولا شك أن هذا الرفض سيتسبب في إضرار جسيم بباقي الورثة، كما أنه يتعارض مع المستحب شرعًا من ضرورة التعجيل في قسمة التركة بعد وفاة المورث، وعليه؛ كان من اللازم إيجاد وسيلة يتمكن بموجبها الورثة من استيفاء نصيبهم من البيت رغم معارضة أحد الورثة.

ومن هنا؛ جاءت أهمية دعوى قسمة الإجبار، وهي ما سنبينها في مقالنا الحالي، مع شرح للإجراءات التي تتم لبيع عقار الورثة.

أولًا: بيع منزل الورثة مع رفض وريث

الأصل أن كافة البيوع يجب أن تتم بالتراضي؛ إذ لا يمكن إجبار أحد على أن يبيع شيئًا يملكه ملكيةً صحيحةً دون رضًا منه، وإنما يجب أن يوافق حتى يصح البيع، ولكن الاعتماد على هذا الأصل في بعض الأحيان يترتب عليه نتائج ظالمة بالنسبة للبعض، وهذا ينطبق على الورثة الذين يكونوا راغبين في استيفاء نصيبهم من المنزل الذي خلفه لهم مورثهم، ولكن لا يقدرون لأن أحد الورثة رافض البيع أو القسمة! فيظلوا معلقين تحت رغبة هذا الوارث المُعارض، لمجرد أنه يرفض بيع المنزل.

ومن هذا المنطلق؛ قررت الشريعة الإسلامية الغراء الحق لأي وارث في أن يتقدم إلى محكمة الأحوال الشخصية بدعوى لإصدار حكمًا ببيع المنزل بالإجبار وقسمة حصيلته بين الورثة. ومستند ذلك، ما جاء في الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (ج4/ص636): “وما لا يمكن قسم عينه، إذا طلب أحد الشركاء بيعه وقسم ثمنه: بِيع، وقُسم ثمنه. وهو المذهب المنصوص عن أحمد في رواية الميموني، وذكره الأكثرون من الأصحاب“.

وتجدر الإشارة إلى أن المسألة هنا تتعلق برغبة الورثة في بيع البيت بأكمله للحصول على نصيبهم، وهذا يختلف تمامًا عن رغبة أحد الورثة أو بعضهم في بيع أنصبتهم فقط من المنزل، فهذا البيع متاحًا، ولا يتوقف على موافقة أو رفض أيٍ من باقي الورثة، فحتى لو كان رافضًا فسيكون البيع نافذًا ولا يملك إلغاءه، إلا لو قرر شراء هذا النصيب بحق الشفعة المُقرر شرعًا ونظامًا.

ثانيًا: دعوى قسمة تركة إجبار عقارية

حتى يتمكن الورثة من إجبار الوارث الذي يرفض بيع العقار الذي خلفه مورثهم؛ فيكون من المتعين التقدم بدعوى إلى المحكمة المختصة وتُسمى دعوى قسمة تركة إجبار عقارية، وهي مُقررة بموجب المادة الأولى من لائحة قسمة الأموال المشتركة، بما نصها: “…2- دعوى القسمة: الدعوى التي يرفعها أحد الشركاء طالبًا حصته من المال المشترك..“، والمادة (18) من ذات اللائحة، بما نصها: “تحكم الدائرة ببيع ما لا يمكن قسمته قسمة إجبار، وتسليم كل شريك نصيبه من ثمنه..“.

ونوضح خطوات رفع تلك الدعوى وإجراءات نظرها فيما يلي:

دعوى قسمة تركة إجبار عقارية

1- المحكمة المختصة: تُرفع دعوى قسمة الإجبار العقارية من خلال “منصة ناجز” أمام محكمة الأحوال الشخصية الواقعة في مكان إقامة المدعى عليه، وفي حال تعدد المدعى عليهم فتُقام الدعوى أمام محكمة الأحوال الشخصية الواقعة في مكان إقامة الأكثرية، وإذا كانت المحافظة أو المنطقة التي يقيم فيها المدعى عليهم لا يوجد بها محكمة أحوال شخصية، فتُرفَع الدعوى أمام دوائر الأحوال الشخصية بالمحكمة العامة الكائنة في تلك المنطقة.

2- تحرير الدعوى: قبل قيد الدعوى بمنصة ناجز؛ فيتعين أن يتم تحرير الدعوى تحريرًا كافيًا، بحيث تكون متضمنةً الآتي: (اسم المورث، وتاريخ وفاته | أسماء الورثة، وبيان ما إذا كانوا بالغين أو قُصَّر | صك حصر الورثة ورقمه وتاريخه والجهة التي أصدرته | تحديد بيانات العقار المطلوب قسمته، وموقعه بالتفصيل | صك ملكية العقار، ورقمه وتاريخه، وجهة إصداره | صك الولاية على الورثة القُصَّر إن وجدوا | بيان الوصية ومقدارها إن وجدت | التصريح بالديون الثابتة في ذمة المورث إن وجدت | الطلب في الدعوى بأن يُطلَب الحكم بقسمة العقار، وإعطاء كل وارث نصيبه الشرعي منه).

3- قيد الدعوى: بعد تحرير الدعوى، وتحضير كافة المستندات المذكورة أعلاه؛ يتم قيد الدعوى إلكترونيًا عبر “منصة ناجز”.

4- التأكد من شروط قبول الدعوى: بعد قيد دعوى القسمة العقارية يتم تحديد موعد جلسة لنظرها أمام القاضي، الذي يستوثق من استيفاء الدعوى لشروط قبولها ابتداءً، فيتأكد من (تحرير الدعوى تحريرًا كافيًا، وصك حصر الورثة، والتمثيل الصحيح لجميع الورثة سواء بالأصالة أو الوكالة، وإذا كان بين الورثة قاصر عقلًا أو سنًا فيتحقق القاضي من وجود وليّ أو وصيّ عليه).

5- حصر الديون: إذ يقوم القاضي بالتأكد من أن المورث ليس عليه ديونًا، فلو ثبت أن في ذمته دينًا ثابتًا للغير، فيتم دفعه من حصيله بيع العقار أولًا، ثم قسمة المتبقي بين الورثة كلٌ حسب نصيبه.

6- خلو صك ملكية العقار من الرهن: حتى يتمكن القاضي من القضاء بقسمة العقار بين الورثة، فيجب أن يكون صك ملكية العقار خاليًا من الرهن، أي أنه غير مرهون لأي دائن للمورث، ولعل أشهر مثال هنا، هو أن يكون العقار مرهونًا لصندوق التنمية العقاري، ففي هذه الحالة لا يملك القاضي القضاء ببيع العقار إلا بعد الحصول على إذن من صاحب الرهن، وإن رفض الأخير فلن يحكم القاضي بالقسمة إلا بعد انتهاء مدة الرهن، وإزالته من العقار.

7- سريان مفعول صك الملكية: النظام يُلزِم القاضي بألا يصدر أي حكم متعلق بالعقار إلا بعد الاستيثاق من صحة سريان مفعول صك الملكية، ويتم ذلك من خلال إرسال خطاب استفسار لكتابة العدل الصادر عنها صك الملكية، ومن ثَم؛ يُجاب على القاضي بخطاب يبين فيه ما إذا كان الصك سليم وساري المفعول أم لا.

8- الاستعانة بخبير: قد يستعين القاضي بخبير ليُبين ما إذا كان يمكن قسمة العقار نفسه عينًا بالإجبار بين الورثة دون إضرار بأيٍ منهم، أي يعطي كل وارث شقة أو دور من المنزل مثلًا دون ظُلم لأي أحد منهم، ويكون تعيين الخبير إما بموافقة جميع الورثة بالدعوى، وفي حال الخلاف يتم تعيينه من خلال القاضي نفسه، ويتحمل جميع الورثة أتعاب الخبير قبل المضي قدمًا في أداء مهمته.

9- إصدار الحكم: بعد أن يُصدر الخبير تقريره، فإنه يُرسله إلى القاضي، ولا يخرج الأمر هنا عن احتمالين:

الاحتمال الأول: أن يتضمن التقرير إمكانية قسمة العقار نفسه بين الورثة، وفي تلك الحالة يحكم القاضي بما قرره التقرير، علمًا بأن القاضي غير مُلزَم بقبول نتيجة التقرير إذا ما رأى أنه خاطئ أو جاء مبنيًا على أساس غير سليم.

الاحتمال الثاني: أن ينتهي الخبير في تقريره إلى تعذر قسمة العقار نفسه بين الورثة، وهنا لا يكون أمام القاضي سوى الحكم ببيع العقار في المزاد العلني، ثم قسمة حصيلة البيع بين الورثة كلٌ حسب نصيبه المُقرر شرعًا.

ثالثًا: إجراءات بيع عقار الورثة

بعد أن يصدر القاضي حكمه ببيع عقار الورثة بالمزاد العلني، ويكتسب هذا الحكم الصفة النهائية سواء بمضي مهلة الاعتراض دون أن يعترض أيٍ من الورثة، أو صدور حكم محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي؛ فيتم الانتقال إلى مرحلة تنفيذ هذا الحكم، ويتم فيها عدد من الإجراءات لبيع العقار، ونُبينها في الآتي:

إجراءات بيع عقار الورثة

1- التقديم لمحكمة التنفيذ: للبدء في إجراءات بيع العقار يجب أن يتم تقديم الحكم الصادر بالبيع إلى محكمة التنفيذ، ويتم تقديم الطلب من خلال أي أحد من الورثة أو بعضهم أو جميعهم، ويكون تقديم طلب التنفيذ من خلال “منصة ناجز”.

2- تقييم العقار: أول إجراء يقوم به قاضي التنفيذ بعد أن يصل الطلب إليه، هو إحالة العقار إلى هيئة الخبراء لتقييم العقار وبيان سعره العادل الذي يتفق مع أسعار السوق.

3- المزاد العلني: بعد أن يصدر تقرير هيئة الخبراء بالسعر العادل لعقار الورثة؛ فإن قاضي التنفيذ يتخذ إجراءات البيع بالمزاد العلني، والتي تبدأ بالإعلان في الجريدة عن بيع العقار مع بيان تفاصيله ومميزاته، ويكون الإعلان قبل تاريخ المزاد بمدة لا تزيد على (30) يوم، ولا تقل عن (15) يوم، علمًا بأنه لا يمكن أن يتم البيع بأقل من القيمة التي حددتها هيئة الخبراء.

4- إعادة المزاد: في حال لم يتقدم أي مشتري لشراء العقار بالسعر المحدد من هيئة الخبراء، فيقوم قاضي التنفيذ بتحديد موعد آخر لإجراء المزاد، ويتم بيع العقار بما يرسوا عليه هذا المزاد، علمًا بأن قاضي التنفيذ يملك السلطة في إعادة تقييم العقار قبل عرضه للمزاد مرة أخرى، سواء من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب من أحد الورثة.

5- المزايدة من قِبل أحد الورثة: المزاد ليس مقصورًا على الغير، بل يكون من حق أيٍ من الورثة المشاركة في المزاد، طالما تم الإعلان عنه حسب الإجراءات المقررة نظامًا، والتي بيناها أعلاه، علمًا بأنه بمجرد تمام البيع ورسوه على أحد المشترين، فلا يُقبَل طلب الشفعة.

6- سداد الثمن: يلتزم المشتري الذي يرسوا عليه المزاد بسداد كامل ثمن العقار في الحساب الذي يحدده قاضي التنفيذ، ويُفرَغ العقار للمشتري، والأصل أن المشتري ملزم بالسداد فور رسو المزاد عليه، ويجوز إمهاله مدة لا تزيد على (10) أيام عمل، فإن لم يُسدد فيقوم قاضي التنفيذ بإعادة المزاد مرة أخرى، ويتكلف المشتري رسوم هذه المزايدة وأي نقص قد يحدث في قيمة العقار عن السعر الذي وافق عليه ابتداءً.

7- قسمة حصيلة البيع: بعد أن يتم البيع، ويتم إفراغ العقار للمشتري؛ فإن قاضي التنفيذ يقوم بقسمة حصيلة البيع على الورثة كل واحد حسب نصيبه الشرعي، وذلك بعد خصم الديون الثابتة في ذمة المورث إن وجدت.

وأخيرًا، وبعد أن بينّا كافة الإجراءات المتبعة لبيع عقار الورثة من خلال دعوى قسمة التركة العقارية، فتجدر الإشارة إلى أنه يمكن في أي مرحلة من مراحل الدعوى أن يتفق الورثة ويتصالحوا على القسمة، ويصدر القاضي الحكم متضمنًا هذا الصلح والقسمة، ويكون ذي حجية أمامهم جميعًا ولا يجوز نقضه.

ومستند ذلك المادة (70) من نظام المرافعات الشرعية، بما نصها: “للخصوم أن يطلبوا من المحكمة في أي حالة تكون عليها الدعوى تدوين ما اتفقوا عليه من إقرار أو صلح أو غير ذلك في محضر الدعوى، وعلى المحكمة إصدار صك بذلك“، والمادة (70/3) من اللائحة التنفيذية لهذا النظام، بما نصها: “ليس للخصوم الاعتراض بطلب الاستئناف -مرافعة أو تدقيقًا- على ما اتفقوا عليه من إقرار أو صلح أو غير ذلك بعد التوقيع عليه في محضر الدعوى“.

موضوعات قد تهمك

اترك تعليقًا