يلجأ الكثيرون إلى البنوك مثل (بنك الراجحي، الأهلي، الرياض) بغرض شراء عقار، ويتم ذلك عن طريق عقد التمويل العقاري، ومن الإشكاليات المنتشرة في هذا الشأن، هو أن المشتري بعدما يستلم العقار، يبدأ يظهر فيه عيوب وأضرار، مثل: التشققات في الجدران، وتسريبات المياه، وهبوط الأرضيات، وغيرها من العيوب.
ولا شك أن هذه تعتبر من المصائب الكبرى بالنسبة لمشتري العقار، فبدلًا من أن يكون العقار مصدر آمان له ولعائلته، يصبح مصدر إزعاج وخطر شديد عليهم جميعًا، ويتفاقم الوضع سوءًا حينما يرجع المشتري للبنك ويطالبه بإصلاح العيوب، ولكن يأتي جواب البنك بالرفض، متحججًا بأسباب كثيرة من أبرزها ما يذكره من أن (العقد عبارة عن عقد مرابحة وأن هذا لا يكون فيه تعويض).
ومن هنا تثور التساؤلات:
- هل فعلًا البنك غير مسؤول أمام المشتري؟
- ما هي العيوب أو الأضرار التي يمكن أن تُبرر المطالبة؟
- هل شرط الإبراء المدون في العقد يعفي البنك من مسؤوليته؟
كل هذه الأسئلة وأكثر سنجيب عنها تفصيلًا في مقالنا، مع تدعيم الإجابات بالمستند النظامي الخاص بها، بموجب نظام المعاملات المدنية السعودي.
أولًا: أنواع أضرار العقار وعيوبه
العيوب والأضرار التي قد تظهر في العقار كثيرة ومتعددة، ولا يمكن حصرها في نقاط محدودة، ومع ذلك، فهي تنقسم إلى نوعين رئيسين:
1- أضرار وعيوب بسيطة: وهي التي تتسم بعدم الجسامة، فتكون عيوب يسيرة تكاد لا تُذكَر أو لا يكون لها تأثير سلبي شديد على سلامة العقار، ولا تُنقِص من قيمته بشكل كبير، فهي عادةً ما تكون مشاكل صغيرة، أو غير جوهرية، ومن أمثلتها: (ترشيح المياه البسيط، التقشير في الدهانات بمناطق معينة من البيت، الخدوش أو التشققات الصغيرة بالأرضيات، الانحراف البسيط في حركة الأبواب والنوافذ).
2- أضرار وعيوب جسيمة: وهي التي تتسبب في مشكلات فادحة للعقار، وتجعله غير آمن للاستعمال والسكنى فيه، أو تؤدي إلى انخفاض قيمته انخفاضًا كبيرًا، وتكون هذه الأضرار ذات تكلفة مرتفعة في الإصلاح، ومن أمثلتها: (تشققات كبيرة في الجدران أو أساسات العقار، هبوط شديد في الأرضيات والبلاط، تسرب المياه إلى الأجزاء الداخلية للمبنى، وغيرها من الأضرار والعيوب).
كيف أحدد أن العيوب جسيمة؟
لتحديد ما إذا كانت العيوب أو الأضرار الثابتة في العقار هي جسيمة أم بسيطة، الأصل أن يتم الرجوع في هذا الشأن إلى أهل الخبرة، وهم المكاتب الهندسية المختصة بالجانب العقاري، ومع ذلك؛ يوجد عيوب معينة لا تكون بحاجة لمهندس ليكتشفها؛ لكونها في حد ذاتها يظهر بها بوضوح أنها جسيمة وكارثية بالنسبة للعقار، وأقرب مثال على ذلك: أن يكون في العديد من أجزاء العقار تشققات وتصدعات قوية، فهذه بلا شك تعتبر عيوب وأضرار جسيمة بمجرد النظر لها.
وعلى العموم يوجد ضابط قد حدده النظام، هو الذي يجب أن يضعه مشتري العقار نصب عينه قبل أن يُقرر هل العيب جسيم أم بسيط، ويتمثل هذا الضابط في الإجابة عن السؤال التالي (هل العيب يؤثر على سلامة العقار، أو ينقص من ثمنه نقصانًا شديدًا؟)، فإذا كانت الإجابة بنعم؛ إذن هو عيب جسيم، وإلا فلا.
علمًا بأن هذا الضابط منصوص عليه بالمادة (338/1) من نظام المعاملات المدنية، بما نصها: “…يضمن البائع عند تسليم المبيع سلامته من أي عيبٍ ينقص من قيمته أو من نفعه بحسب الغاية المقصودة منه…“.
هل البنك يضمن العقار؟
نعم -بحسب الأصل- البنك ضامنٌ للعقار، ويكون مسؤولًا عن العيوب والأضرار التي قد تظهر في العقار بعد أن يُسلمه للمشتري، ولكن هذا الضمان ليس على إطلاقه، وإنما يتعين تحقق عدد من الشروط، من أهمها أن يكون العيب أو الضرر جسيمًا، وقد سبق أن بينّا ماهية العيب الجسيم أعلاه، وإلى جانب هذا الشرط توجد شروط أخرى منصوص عليها نظامًا، نوضحها في الآتي:
ثانيًا: شروط ضمان البنك لأضرار العقار وعيوبه
تتعدد شروط ضمان البنك لأضرار العقار، وكلها منصوص عليها في نظام المعاملات المدنية بدايةً من المادة رقم (338)، ونفصلها فيما يلي:
1- العيوب خفية وليست ظاهرة؛ فإذا كان في استطاعة المشتري أن يتبين هذه العيوب لو أنه فحَّص العقار بعناية الشخص المعتاد؛ فلا ضمان على عاتق البنك.
2- أن تكون عيوب جسيمة تؤثر على سلامة العقار تأثيرًا شديدًا، أو تنقص من قيمته نقصًا ملحوظًا، أما العيوب اليسيرة أو التي جرى العرف على التسامح فيها؛ فلا ضمان لها.
3- ألا يكون المشتري عالمًا بهذه العيوب وقت الشراء؛ فإذا كان البنك قد أحاط المشتري علمًا بالعيوب عند إبرام العقد؛ فيكون البنك معفيًا من الضمان بالنسبة لهذه العيوب، وتجدر الإشارة إلى أن معرفة البنك أو عدم معرفته بالعيوب لا تؤثر على قيام مسؤوليته تجاه المشتري، طالما أن المشتري لم يكن يعلم بالعيوب.
4- عدم رضا المشتري بالعيوب؛ فيجب ألا يصدر عن المشتري أي تصرف يُمكن أن يُفهَم منه رضاه بالعيوب، سواء كان هذا التصرف مباشر بالموافقة الصريحة على العيوب، أو بإبداء أفعال معينة تدلل بشكل ضمني عن رضاه بالعيوب، ومن أبرز الصور في هذا الخصوص، أن يسكت المشتري مدة طويلة جدًا بعد ظهور العيوب دون أن يُطالب البنك بشيء، فهذه تعتبر قرينة على أنه موافق ضمنيًا على العيوب، ومن ثَم؛ يسقط حقه في تضمين البنك.
5- عدم مضي مدة (180) يومًا من تاريخ تسلم المبيع؛ وهذا الشرط منصوص عليه صراحةً في المادة (344) من نظام المعاملات المدنية، بما نصه: “لا تُسمع دعوى ضمان العيب بانقضاء (مائة وثمانين) يومًا من تاريخ تسليم المبيع؛ ما لم يلتزم البائع بالضمان مدة أطول”، مع ملاحظة أن ذلك الشرط ينطبق فقط على عقود التمويل العقاري التي تمت بعد تاريخ 19/12/2023م، وهو تاريخ بدء سريان نظام المعاملات المدنية، أما العقود التي تم إبرامها قبل هذا التاريخ، فلا ينطبق عليها هذا الشرط.
6- عدم إصلاح العيوب أو الأضرار: من الضروري ألا يقوم المشتري بإصلاح العيوب التي تظهر في العقار قبل المطالبة؛ لكون هذه العيوب هي أساس نشوء الحق أصلًا، وإصلاحها يترتب عليه سقوط محل النزاع، وضياع الإثبات.
ثالثًا: ماذا يضمن البنك تجاه مشتري العقار؟
إذا تحققت الشروط التي ذكرناها أعلاه؛ فيكون البنك مسؤولًا وضامنًا، ويحق للمشتري المطالبة بأحد الطلبين الآتيين:
1- تعويض أضرار العقار
من البديهي أن يعتقد المشتري أن أول ما يمكن أن يطالب البنك به هو التعويض عن الأضرار الثابتة في العقار، ولكن توجد هنا معلومة غاية في الأهمية؛ إذ من المعلوم أن التعويض هو (عبارة عن المبلغ المالي الذي يدفعه المُخطئ ليجبر الضرر الحاصل للشخص المضرور)، وإذا ما طبقنا هذا التعريف على الأضرار الثابتة في العقار؛ فسيكون التعويض هو المبلغ اللازم لإصلاح هذه الأضرار.
ولكن حقيقة الأمر أن المشتري لا يكون له الحق في المطالبة بالتعويض حسب هذا التعريف، وإنما يكون له الحق في المطالبة بفارق ثمن العقار معيبًا وسليمًا، بمعنى أنه يتم تقييم العقار كأنه سليمًا، ثم يتم تقييمه مرة أخرى بالأضرار والعيوب الثابتة فيه، ويكون الفارق بين القيمتين هو المستحق للمشتري، وهذا يُسمى شرعًا وقضاءً بـ”الأرش“.
ومن الضروري أن يلتزم المشتري بهذا الفارق الدقيق بين المطالبة بالتعويض والمطالبة بالأرش؛ لأنه إذا قرر المطالبة بالتعويض؛ سيتم الحكم برد الدعوى من قِبَل القاضي، ومستند ذلك هو المادة (338) من نظام المعاملات المدنية، فهي تنص على أنه: “2- إذا ظهر في المبيع عيب كان المشتري مخيرًا… إمساك المبيع والرجوع على البائع بفرق الثمن، وهو نسبة قيمة المبيع سليمًا إلى قيمته معيبًا من الثمن..“، وكما هو واضح أنه لم ينص على التعويض وإنما الأرش.
2- فسخ عقد التمويل العقاري
أما الحق الثاني الذي يمكن للمشتري أن يطالب البنك به، هو أن يطالب بفسخ عقد التمويل العقاري، ويسترد جميع المبالغ التي سددها بموجب هذا العقد، بما يشمله من (دفعة مقدمة، وأقساط شهرية).
ومستند ذلك ما نصت عليه المادة (338) من نظام المعاملات المدنية: “2- إذا ظهر في المبيع عيب كان المشتري مخيرًا بين طلب فسخ البيع…“، والمادة (111) من نظام المعاملات المدنية، بما نصها: “1- في حالتي فسخ العقد أو انفساخه يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد..“.
رابعًا: إجراءات المطالبة بتعويض أضرار العقار أو فسخ العقد
إذا تحققت الشروط التي سبق أن بيناها أعلاه [أنقر للانتقال]؛ فيوجد عدد من الإجراءات والضوابط اللازم اتباعها من قِبَل المشتري لاستيفاء حقه، وهي على النحو التالي:
1- لا تطالب المالك الأول للعقار: من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها المشتري هي أن يتجه مباشرةً لمطالبة المالك الأول للعقار الذي سبق أن اشترى منه البنك، وهذا خطأ كبير؛ لأن هذا المالك الأول لا يوجد بينه وبين المشتري أي علاقة تعاقدية، وبالتالي؛ لا يكون للمالك الأول أي صفة تجاه المشتري، ولا يمكن مطالبته، وفي حال إقامة الدعوى ضده؛ تحكم المحكمة مباشرة بعدم قبول الدعوى؛ لانعدام الصفة.
2- قدم للبنك طلب بإصلاح العيوب: دائمًا ما ننصح المشتري قبل اللجوء إلى المحكمة أن يتجه إلى البنك نفسه، ويقدم طلب له لإصلاح العيوب والأضرار الثابتة في العقار، والسبب في ذلك هو أن هذا الطلب يفيد فيما بعد عند رغبة المشتري في مطالبة البنك بأضرار التقاضي وأتعاب المحاماة المسددة؛ فيكون رفض البنك هنا بمثابة إثبات إضافي على التعسف واضطرار المشتري في توكيل محامي لإقامة الدعوى.
3- اللجوء إلى المحكمة: بعدما يرفض البنك الاستجابة لطلب المشتري بإصلاح العيوب؛ فهنا يتعين على المشتري اللجوء إلى المحكمة المختصة نوعيًا بنظر الدعوى، وهي المحكمة العامة، ويتم تحرير الدعوى بتفصيل مواصفات العقار، والعلاقة التعاقدية، والأضرار والعيوب الثابتة، وتقدير المبلغ محل المطالبة، وتذييل الدعوى بطلب واحد من الحقين السابق ذكرهما [أنقر للانتقال]، وفي جميع الأحوال تقوم المحكمة بإحالة القضية لخبير عقاري وهندسي، يقوم بتقييم مدى جسامة العيوب والأضرار الثابتة في العقار، وتحديد ما إذا كانت عيوب خفية أم لا، وبناءً على التقرير والرد المقدم عليه؛ يحدد القاضي ما سيحكم به.
4- توكيل محامي متى ما أمكن: دائمًا ما ننصح بتوكيل محامي في تولي القضية ضد البنك؛ لكون الممثل عن البنك يأتي أمام المحكمة بدفوع قوية، ويكون من الضروري الرد عليها بردود دامغة، حتى لا يضيع حق المشتري في المطالبة، خاصةً مع وجود تقرير خبرة يصدر في القضية مما يزيد من الحاجة الشديدة لتوكيل محامي، ويسعدنا أن نتولى قضيتكم في مكتب منيع للمحاماة؛ لما لنا من خبرات كبيرة في هذا النوع من القضايا.
مقالات أخرى قد تهمك