الوقوع في قضية تزوير هو أمر مقلق بلا شك، وغالبًا ما يكون السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو: “ما هي العقوبات المحتملة؟”، إن فهم العواقب النظامية هو الخطوة الأولى لاستيعاب الموقف والتخطيط للدفاع الصحيح.
في هذا الدليل الشامل والمبسط، سنستعرض بالتفصيل العقوبات التي نص عليها النظام الجزائي لجرائم التزوير في المملكة العربية السعودية، مدعومة بأمثلة من أحكام قضائية حقيقية لتوضيح كيف يطبق القضاء هذه النصوص.
ولكن قبل الخوض في تفاصيل العقوبات، من المهم أن تعلم أنه ليست كل تهمة تزوير تنتهي بالإدانة، فهناك العديد من [أسباب البراءة في قضايا التزوير] التي قد تغير مسار القضية بالكامل.
ولمساعدتك على استيعاب الصورة الكاملة بسرعة، إليك جدول يلخص العقوبات الرئيسية التي نص عليها النظام الجزائي لجرائم التزوير:
نوع الجريمة (المحل المزور) | عقوبة السجن | عقوبة الغرامة (بالريال السعودي) | المادة النظامية |
محرر منسوب للملك أو ولي العهد | من 3 إلى 10 سنوات | لا تزيد على 1,000,000 | المادة 10 |
خاتم الدولة أو الملك أو ولي العهد | من 3 إلى 10 سنوات | لا تزيد على 1,000,000 | المادة 3 |
محرر رسمي من موظف عام مختص | من سنة إلى 7 سنوات | لا تزيد على 700,000 | المادة 12 |
خاتم جهة عامة أو موظف عام | من سنة إلى 7 سنوات | لا تزيد على 700,000 | المادة 4 |
محرر رسمي عام (هوية، صك، جواز سفر…) | من سنة إلى 5 سنوات | لا تزيد على 500,000 | المادة 8 |
ورقة تجارية أو مصرفية (سند لأمر، شيك…) | من سنة إلى 5 سنوات | لا تزيد على 400,000 | المادة 13 |
محرر عرفي عام (عقد إيجار، فاتورة…) | لا تتجاوز 3 سنوات | لا تزيد على 300,000 | المادة 9 |
خاتم جهة غير عامة (شركة، مؤسسة…) | لا تتجاوز 3 سنوات | لا تزيد على 300,000 | المادة 5 |
تقرير أو إجازة طبية | لا تتجاوز سنة | لا تزيد على 100,000 | المادة 14 |
أوراق إجابات الاختبارات الدراسية | لا تتجاوز 6 أشهر | لا تزيد على 60,000 | المادة 15 |
محرر إثبات الحضور والانصراف للعمل | لا تتجاوز 3 أشهر | لا تزيد على 30,000 | المادة 16 |
والآن، لنتعمق في تفاصيل كل نوع من هذه الجرائم على حدة:
عقوبة تزوير المحررات الرسمية (الأشد خطورة)
المحررات الرسمية هي المستندات التي تصدرها جهة عامة أو موظف حكومي (مثل الهوية الوطنية، صك الملكية، جواز السفر، رخصة القيادة، الشهادات الدراسية الحكومية)، ويعتبر النظام تزويرها الجريمة الأشد خطورة لأنها تمس ثقة الدولة ومصداقية وثائقها.
1- العقوبة العامة: وفقًا للمادة الثامنة من النظام، يعاقب من يزور محررًا رسميًا بالسجن من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال.
2- العقوبة المشددة: تشتد العقوبة لتصل ذروتها إذا كان المحرر منسوبًا لكبار رموز الدولة. حيث تنص المادة العاشرة على السجن من ثلاث إلى عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على مليون ريال لمن يزور محررًا منسوبًا للملك، أو ولي العهد، أو رئيس مجلس الوزراء.
3- إذا كان المزور موظفًا عامًا: تُشدد العقوبة إذا كان مرتكب الجريمة هو الموظف المختص بتحرير الورقة بنفسه، حيث تنص المادة الثانية عشرة على السجن من سنة إلى سبع سنوات وبغرامة لا تزيد على سبعمائة ألف ريال.
حكم قضائي (1): نظرت المحاكم الجزائية بالمملكة قضية شخص استعمل شهادة دراسية منسوبة لجامعة في دولة أخرى (تعتبر محررًا رسميًا له حجية بالمملكة)، وبعد ثبوت تزوير الأختام والتواقيع، استندت المحكمة إلى نص المادة الثامنة وأدانت المتهم بجريمتي التزوير والاستعمال. (القضية رقم 2/5399ق لعام 1435هـ) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]
حكم قضائي (2): في قضية أكثر تعقيدًا، أدانت المحكمة شخصًا امتهن التزوير بشكل منظم، حيث تم ضبط ماكينات تزوير وطابعات أختام في منزله، وبسبب حجم الجريمة وتعدد المحررات المزورة (لجهات حكومية مختلفة)، حكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة أربع سنوات. (القضية رقم 1/15097ق لعام 1433هـ) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]
الزاوية التي نركز عليها في قضايا كهذه:
عندما نواجه تهمة تتعلق بتزوير محرر رسمي، ندرك أن الموقف جدي وأن العقوبات مشددة. استراتيجيتنا الأولى هي البحث الدقيق عن أي ثغرة في أركان الجريمة، خاصة “القصد الجنائي“، فكما أثبتنا في قضايا سابقة، مجرد وقوع التزوير لا يعني حتمية الإدانة إذا استطعنا إثبات حسن نية الموكل أو عدم علمه.
عقوبة تزوير المحررات العُرفية (الخاصة)
المحررات العرفية هي الأوراق والمستندات التي تنظم العلاقات بين الأفراد والشركات، ولا يصدرها موظف عام (مثل عقد إيجار، فاتورة تجارية، سند لأمر، سجلات الفنادق).
1- العقوبة العامة: تنص المادة التاسعة من النظام على أن من يزور محررًا عرفيًا يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
2- الأوراق التجارية والمصرفية: تشدد العقوبة قليلًا إذا كان المحرر المزور ورقة تجارية أو مالية أو مصرفية، لتصل إلى السجن من سنة إلى خمس سنوات وغرامة لا تزيد على أربعمائة ألف ريال، وفقًا للمادة الثالثة عشرة.
حكم قضائي (3): يعتبر تزوير سجلات الفنادق من الأمثلة الشائعة، ففي إحدى القضايا، قام شخص باستخدام كرت العائلة الخاص به لتسجيل دخول سيدة أخرى (ليست زوجته) في سجلات فندق، فاعتبرت المحكمة أن “سجلات نزلاء الفنادق” هي محررات عرفية، وأن إثبات واقعة غير صحيحة فيها يعتبر تزويرًا، وحكمت على المتهم بالسجن لمدة سنة استنادًا للمادة التاسعة، (القضية رقم 6/117ق لعام 1435هـ) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]
الزاوية التي نركز عليها في قضايا كهذه:
في قضايا المحررات العرفية، غالبًا ما تكون العلاقات بين الأطراف معقدة، فنحن نركز على استغلال هذا التعقيد لصالح موكلنا، من خلال البحث في سياق الواقعة بالكامل. هل كان هناك موافقة شفهية؟ هل الفعل يمثل تحايلًا وليس تزويرًا؟ عملنا هو تقديم رواية قوية ومنطقية للمحكمة تضعف من قناعتها بوجود نية التزوير المتعمدة.
عقوبة تزوير الأختام بشكل مستقل
يعطي النظام أهمية خاصة للأختام، وتتدرج عقوبة تزويرها بحسب أهمية الجهة التي يمثلها الختم:
1- أختام الدولة العليا: تزوير خاتم الدولة، أو الملك، أو ولي العهد يعاقب عليه بالسجن من ثلاث إلى عشر سنوات وغرامة لا تزيد على مليون ريال (المادة الثالثة).
2- أختام الجهات العامة: تزوير خاتم جهة حكومية أو موظف عام يعاقب عليه بالسجن من سنة إلى سبع سنوات وغرامة لا تزيد على سبعمائة ألف ريال (المادة الرابعة).
3- أختام الجهات غير العامة: تزوير خاتم شركة أو مؤسسة خاصة يعاقب عليه بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وغرامة لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال (المادة الخامسة).
عقوبات خاصة لحالات تزوير شائعة
حدد النظام عقوبات مخففة لبعض أنواع التزوير الشائعة، منها:
1- التقارير والإجازات الطبية:
من يزور تقريرًا أو شهادة طبية يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال أو بإحدى العقوبتين (المادة الرابعة عشرة).
2- أوراق الاختبارات الدراسية:
من يزور في أوراق إجابات الاختبارات يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على ستين ألف ريال أو بإحدى العقوبتين (المادة الخامسة عشرة).
3- إثبات الحضور والانصراف:
من يزور في محرر لإثبات الحضور للعمل يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على ثلاثين ألف ريال أو بإحدى العقوبتين (المادة السادسة عشرة).
عقوبة التزوير للأجانب (المقيمين) في السعودية
تطبق جميع العقوبات المذكورة في النظام (السجن والغرامة) على كل من يرتكب الجريمة، سواء كان مواطنًا أو مقيمًا، أما بالنسبة للعقوبة الأهم التي تشغل بال المقيمين وهي الإبعاد، فمن المهم توضيح أنها عقوبة تبعية محتملة جدًا، فغالبًا ما تقضي المحكمة بإبعاد المقيم المدان بجريمة التزوير عن المملكة بعد انتهاء مدة محكوميته، باعتبارها من الجرائم المخلة بالأمانة والشرف.
ماذا عن عقوبة الشروع في التزوير أو الاشتراك فيه؟
من المهم أن تعلم أن المسؤولية الجزائية لا تقتصر على من أتمّ فعل التزوير بنفسه:
1- الشروع في التزوير: من يبدأ في تنفيذ الجريمة ولكنه لا يتمكن من إتمامها لسبب خارج عن إرادته، فإنه يعاقب بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة التامة (وفقًا للمادة 20).
2- الاشتراك في التزوير: كل من اشترك في الجريمة عن طريق الاتفاق، التحريض، أو المساعدة، فإنه يعاقب بنفس العقوبة المقررة للفاعل الأصلي (وفقًا للمادة 21). وهذا يشمل من يخطط للجريمة أو يوفر الأدوات اللازمة لها.
ولكن الدفاع عن “الشريك” يختلف تمامًا عن الدفاع عن الفاعل الأصلي ويتطلب استراتيجية خاصة. لمعرفة المزيد حول هذا الموضوع، يمكنك قراءة دليلنا المفصل: [عقوبة الشريك ومستعمل المزور في السعودية].
هل يمكن تخفيف العقوبة أو الحكم بالبراءة؟
نعم، الإدانة ليست حتمية على الإطلاق، ففهم العقوبات هو نصف المعركة، أما النصف الآخر فهو معرفة كيفية تفنيد التهمة من أساسها، وكل قضية تزوير لها نقاط ضعف وثغرات يمكن للمحامي الخبير استغلالها وترجمتها إلى حجج قانونية قوية، ولمعرفة كيف يتم تقديم هذه الحجج والدفوع بشكل عملي أمام المحكمة، يمكنك الاطلاع على دليلنا حول [كيفية كتابة مذكرة دفاع قوية في قضايا التزوير].
كما قمنا بإعداد دليل شامل ومفصل مدعوم بـ (10) أحكام قضائية حقيقية، نشرح فيه بالتفصيل كل سبب من أسباب البراءة التي أدت لإلغاء الإدانة في قاعات المحاكم السعودية، ولقراءة هذا الدليل وفهم كيف يمكن الطعن في التهمة، تفضل بزيارة مقالنا: [أسباب البراءة في قضايا التزوير بالسعودية: دليل شامل مدعوم بالأحكام القضائية]
وأخيرًا، فإن النظام السعودي صارم جدًا في عقوباته على جرائم التزوير لحماية الحقوق والمصالح، ولكن العدالة تقتضي أيضًا النظر في كل قضية بظروفها الخاصة.
- تحديد نوع المحرر هو أول خطوة في بناء الدفاع؛ لأن العقوبات تتفاوت بشكل جذري بناءً عليه.
- إثبات حسن نيتك هو أقوى أسلحتك؛ فبدون القصد الجنائي، تنهار قضية التزوير من أساسها.
- لا تفقد الأمل حتى لو كان التزوير واضحًا؛ فهناك دفوع نظامية قوية، مثل “التزوير المفضوح”، قد تكون هي طريقك نحو البراءة.
إن هذه المعلومات، رغم أهميتها، لا تغني أبدًا عن استشارة محامٍ متخصص. فقضايا التزوير معقدة، والمحامي الخبير هو الوحيد القادر على تحليل قضيتك وتقديم أفضل سبل الدفاع الممكنة.
إذا كنت تواجه قضية تزوير أو لديك أي استفسار، لا تتردد في التواصل معنا، فريقنا بشركة نوماس للمحاماة مستعد لدراسة قضيتك وتقديم الدعم النظامي اللازم لحماية حقوقك.