الفسخ بعوض والفسخ بغير عوض هما آليتان لإنهاء عقد النكاح في الشريعة الإسلامية، ولكل منهما ضوابط وأحكام تختلف باختلاف الظروف. في الفسخ بعوض، تكون الزوجة مُطالبةً بدفع تعويض مالي مقابل فسخ الزواج، أما الفسخ بغير عوض فيُمنح بدون أي التزام مالي على عاتق الزوجة.
وينبثق عن ذلك سؤالًا هامًا، محله: متى يحق للقاضي فسخ النكاح بدون عوض؟
سنُسلِط الضوء في مقالنا على الإجابة عن هذا السؤال، كما سنُوضح الفرق بين الفسخ بعوض والفسخ بغير عوض، والأحكام المتعلقة بكل منهما وفقًا لنظام الأحوال الشخصية في المملكة العربية السعودية.
الفرق بين الفسخ بعوض والفسخ بغير عوض
من الضروري أن نوضح الفرق بين الفسخ بعوض والفسخ بغير عوض، وفي الواقع هما نوعان من إنهاء عقد النكاح في الشريعة الإسلامية بواسطة القاضي، ولكل نوع منهما أحكام وضوابط مختلفة، وفيما يلي الفرق بين النوعين:
أولًا: فسخ النكاح بعوض
1- التعريف: الفسخ بعوض يحدث عندما يتم إنهاء عقد النكاح مقابل تعويض مالي يُقدَّم من الزوجة إلى الزوج، ويُقصَد بالعوض هنا هو المهر المُسمى في عقد الزواج؛ إذ لا يُمكن -بحال- أن يتجاوز العوض المطلوب من الزوجة عندما تطالب بفسخ نكاحها عن المهر المدوَّن في العقد، ومستند ذلك ما نصت عليه المادة (111) من نظام الأحوال الشخصية، بأنه: “…في جميع الأحوال يجب ألا يزيد العوض الذي تدفعه المرأة على المهر…“.
2- متى يحدث؟ يحدث هذا النوع من فسخ النكاح في الحالات التي تتقدم فيها الزوجة بدعوى ضد الزوج؛ لتطالب بفسخ نكاحها منه، ثم تعجز الزوجة عن تقديم البينّات أو الأدلة المُثبِتة لصحة الأسباب التي تستند إليها في طلب الفسخ، ففي هذه الحالة لا يملك القاضي أن يقضي بفسخ النكاح إلا بعوض تُلزَم الزوجة بسداده، هذا باستثناء الحالات التي يصدر فيها قرار الحكمين متضمنًا التوصية بفسخ النكاح بدون عوض.
3- مقدار العوض: ليس من الضروري أن يكون العوض المطلوب من الزوجة -مقابل فسخ نكاحها- مساويًا للمهر المدوَّن في عقد الزواج، بل من الممكن أن يكون جزء من المهر فقط، مثل الربع أو النصف أو ثلاث أرباع، ويرجع تحديد ذلك إلى السلطة التقديرية للقاضي ناظر الدعوى، وبناءً على حيثيات ومُجريات الدعوى المعروضة أمامه، علمًا بأن قرار الحكمين بقسم الخبراء يكون له دورًا جوهريًا في هذا الشأن، كما يكون للمحامي الحاضر عن الزوجة دورًا فعالًا يُغير مسار الدعوى لأفضل النتائج الممكنة لصالح الزوجة.
4- شرط موافقة الزوجة على العوض: لا يستطيع القاضي فسخ النكاح بعوض -أيًا كان مقداره- إلا بعد أن يحصل على موافقة صريحة من قبل الزوجة بأنها مستعدة ببذل العوض المطلوب مقابل فسخ نكاحها، ومستند ذلك ما جاء في صحيح البخاري كما يلي:”عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس: أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته، قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقبل الحديقة وطلقها“، فوجه الاستناد يتمثل في أن النبي ﷺ لم يُوجه الأمر للزوج بالطلاق إلا بعدما سأل الزوجة أولًا “أتردين عليه حديقته“، وعليه؛ فبدون هذه الموافقة لا يحق للقاضي الفسخ بعوض، ويقضي برفض الدعوى.
5- متى يلزم دفع العوض من قبل الزوجة؟ الأصل أنه بمجرد صدور حكم فسخ النكاح بعوض، وبعد أن يكتسب الحكم الصفة النهائية سواء بمضي مهلة الاعتراض دون تقديم استئناف عليه، أو بصدور حكم الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي؛ تكون الزوجة مُطالبة بسداد العوض المحكوم به لصالح الزوج، ولكن المعلومة الهامة هنا أنه لا يكفي مجرد صدور الحكم لتكون الزوجة مُلزمةً بالسداد، ومُجبرةً عليه، وإنما يتعين على الزوج تقديم صك الحكم الصادر بفسخ النكاح بعوض إلى محكمة التنفيذ من خلال منصة ناجز، ويتم حينها اتخاذ إجراءات التنفيذ تجاه الزوجة لسداد العوض، ومن ضمن هذه الإجراءات (وقف الخدمات، والحجز على الحسابات البنكية، وغيرها).
ثانيًا: فسخ النكاح بدون عوض
1- التعريف: الفسخ بدون عوض هو إنهاء عقد النكاح بدون دفع أي تعويض مالي من الزوجة للزوج.
2- متى يحدث؟ يحدث هذا النوع من فسخ النكاح في الحالات التي تتقدم فيها الزوجة بدعوى لتطالب بفسخ نكاحها، وتكون دعواها قائمةً على أسباب شرعية أو نظامية مُعتبرة تُبرر هذا الطلب، وتُقدِم الزوجة بينّات أو أدلة تُثبت صحة هذه الأسباب، مثل: شهادة شهود أو محادثات عبر الواتس آب أو رسائل نصية من قِبَل الزوج أو غيرها من وسائل الإثبات، ففي هذه الحالة؛ يصدر القاضي حكمه بفسخ النكاح بدون عوض.
3- قرار الحكمين: يلعب قسم الخبراء دورًا هامًا في تحديد ما إذا كانت الزوجة مُطالبة بدفع عوض مقابل فسخ النكاح أم لا؛ حيث إنه في الحالات التي لا يكون للزوجة أي دليل أو بينة على ما تدعيه من أسباب لطلب الفسخ، أو حتى في الحالات التي تكون فيها البينّات غير كافية؛ فحينها يقوم القاضي بإحالة القضية لقسم الخبراء، ويتم تعيين حكمين، ويصدر هذين الحكمين قرارهما المتضمن إما أن يكون الفسخ بعوض أو بدون عوض، ومستند ذلك ما نصت عليه المادة (111) من نظام الأحوال الشخصية، من أنه: “إذا عجز الحكمان عن الإصلاح بين الزوجين، قررا ما يريانه من التفرق بينهما بعوض أو دونه…“، وكذلك ما جاء في المغني لابن قدامة (ج7/ص320): “الحكمين حاكمان، ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق، بعوض أو غير عوض، ولا يحتاجان إلى توكيل الزوجين ولا رضاهما؛ لقول الله تعالى [فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها] فسماهما حكمين، ولم يُعتبر رضى الزوجين، ثم قال: [إن يريدا إصلاحا] فخاطب الحكمين بذلك“.
وعليه؛ دائمًا ما ننصح بتوكيل محامي من قِبَل الزوجات اللاتي يرغبن في رفع دعوى فسخ نكاح، ولم يكن لديهن بينّات أو أدلة كافية تُثبت صحة الأسباب التي يعولن عليها في طلب الفسخ، فمن الضروري جدًا تواجد المحامي بالنيابة عن الزوجة أمام قسم الخبراء؛ لمحاولة إقناعهم بأسباب الزوجة في طلب الفسخ، ونحن في منيع للمحاماة لدينا الخبرة إن شاء الله، ويسعدنا تواصلكم معنا.
متى يحق للقاضي فسخ النكاح بدون عوض
يحق للقاضي فسخ النكاح بدون عوض لصالح الزوجة في حالتين:
الحالة الأولى: قيام دعوى فسخ النكاح على أسباب مُعتبرة
ففي هذه الحالة، يكون للزوجة الحق في طلب فسخ النكاح بدون عوض إذا كانت الدعوى مستندة إلى أسباب شرعية أو نظامية معتبرة تُبرر طلبها. ومن بين هذه الأسباب: سوء معاملة الزوج، أو عدم التزامه بواجباته الشرعية مثل الإنفاق، أو الهجر، أو تضرر الزوجة نفسيًا أو جسديًا من العلاقة الزوجية، أو اكتشاف عيوب لا يمكن تحملها في الزوج.
ولقد سبَّق أن شرحنا كافة هذه الأسباب بالتفصيل في مقالنا التالي/ اسباب فسخ عقد النكاح
وعلى كل حال؛ فإنه يُشتَرَط في هذه الحالة أن تُقدِم المدعية بينة أو دليلًا على صحة الأسباب التي تستند إليها في طلب فسخ النكاح، مثل شهادات شهود، رسائل نصية، أو تقارير طبية أو غيرها من وسائل الإثبات، وذلك إعمالًا للقاعدة الراسخة المستمدة من قول النبي ﷺ: “البينة على من ادعى“، وما أكدت عليه المادة (2) من نظام الإثبات السعودي، بأنه: “1- على المدعي أن يثبت ما يدعيه من حق…“، وأيضًا المبدأ القضائي الصادر عن المحكمة العليا برقم (م ق د): (193/4)، (18/2/1426)، بما نصه: “ما أضافه الشخص إلى نفسه لا يقبل حجة له بمجرد قوله“، وبناءً عليه؛ إذا تمكنت الزوجة من تقديم أدلة كافية؛ فيحق للقاضي أن يصدر حكمًا بفسخ النكاح بدون أن تُلزَم الزوجة بدفع أي تعويض مالي (عوض) للزوج.
الحالة الثانية: صدور قرار الحكمين بالفسخ بدون عوض
إذ إنه في حالة عدم تقديم الزوجة أدلة كافية لأسباب فسخ النكاح؛ فيقوم القاضي بإحالة القضية إلى قسم الخبراء لتعيين حكمين، وفقًا لما جاء في المادة (109) من نظام الأحوال الشخصية، بأنه: “إذا لم يثبت وقوع الضرر الذي يتعذر معه بقاء العشرة بالمعروف، واستمر الشقاق بين الزوجين، وتعذر الإصلاح؛ فيتعين على كل واحد من الزوجين اختيار حكم من أهله خلال الأجل الذي تحدده المحكمة، وإلا عينت المحكمة حكمين…“.
ويقوم الحكمين بمحاولة الإصلاح بين الزوجين، وإذا عجزا عن ذلك، وكانت الحيثيات والوقائع المعروضة أمامهما مُقنعةً بالنسبة لهما في إثبات أن الزوجة مُحقة في طلب الفسخ، وأن الظُلم والجور من جانب الزوج؛ فإن الحكمان يصدران قرارهما بالفسخ دون عوض، ويرسلان القرار للقاضي ليتخذ ما يراه حياله، وفي غالب الأحوال يحكم القاضي بنفس رأي الحكمين.
ويُشتَرَط في هذه الحالة أن يكون قرار الحكمين قائمًا على أسباب سائغة ومعقولة تُبرر فسخ النكاح بدون عوض، إعمالًا لما جاء في المبدأ القضائي الصادر عن المحكمة العليا برقم (م ق د): (19/5)، (19/1/1410): “قرار الخبراء غير المبرر لا يكفي ليكون مستندًا للحكم“، ومن أمثلة هذه الأسباب السائغة والمعقولة، ما يلي:
- إقرار الزوج أمام الحكمين بصحة أسباب الزوجة في طلب الفسخ.
- إبداء الزوج استعداده في تسريح الزوجة بإحسان.
- تقدير الحكمين أن الزواج لا يمكن استمراره دون ضرر للزوجة.
تعرفي أيضًا على/ شروط فسخ عقد النكاح
موضوعات ذات صلة: