النفقة ليست مجرد مال، بل هي أساس القوامة والمسؤولية وأهم التزام على الزوج تجاه زوجته وأسرته. فإذا تخلى زوجكِ عن هذا الواجب الأساسي وترككِ تواجهين أعباء الحياة بمفردكِ، فاعلمي أن النظام يمنحكِ الحق في طلب فسخ عقد النكاح، فعدم الإنفاق لا يمثل ضغطًا ماديًا فحسب، بل هو شكل من أشكال [الضرر النفسي والإهمال] الذي يجعل استمرار الحياة الزوجية صعبًا.
لكن رفع دعوى الفسخ لعدم الإنفاق له إجراءات وشروط دقيقة جدًا، وفي هذا الدليل العملي، سنكشف لكِ عن أهم معلومة من واقع المحاكم لضمان نجاح دعواكِ، وسنرشدكِ خطوة بخطوة للطريق الصحيح.
حقكِ في النفقة: التزام نظامي لا يسقط
أكد نظام الأحوال الشخصية بشكل قاطع على أن نفقتكِ واجبة على زوجكِ، حتى لو كنتِ موظفة أو لديكِ مصدر دخل خاص. فقد نصت المادة (44) من النظام على أن:
“نفقة كل إنسان في ماله، إلا الزوجة فنفقتها على زوجها ولو كانت موسرة“.
وهذا الحق هو أساس طلبكِ للفسخ في حال امتنع الزوج عن أدائه.
متى يحق لكِ طلب الفسخ لعدم الإنفاق؟
المادة (107) من نظام الأحوال الشخصية هي سندكِ في هذه الدعوى، حيث نصت على أنه:
“تفسخ المحكمة عقد الزواج بناءً على طلب الزوجة إذا امتنع زوجها عن الإنفاق عليها أو تعذر استيفاء النفقة منه…“
هذا يعني أن لكِ الحق في طلب الفسخ في حالتين:
- إذا امتنع الزوج عن الإنفاق وهو قادر على ذلك.
- إذا تعذر أخذ النفقة منه (كأن يكون مجهول مكان الإقامة أو لا يملك أموالًا ظاهرة)، وهذه الحالة غالبًا ما تترافق مع [هجر الزوج لمنزل الزوجية]؛ مما يمنحكِ سببين قويين لطلب الفسخ.
“النصيحة الذهبية” من واقع المحاكم: لا ترفعي دعوى الفسخ مباشرةً!
هنا تكمن أهم معلومة يجب أن تعرفيها، وهي خلاصة خبرتنا العملية في مئات القضايا: الطريق الأضمن والأكثر قوة لضمان الحكم لكِ هو ألا ترفعي دعوى الفسخ مباشرةً.
قد تتساءلين لماذا، السبب منطقي جدًا؛ فالقاضي يريد أن يتأكد من أن الزوج “مُصرٌّ على الامتناع” وليس مجرد “متعثر مؤقتًا” أو أن هناك خلافًا عابرًا.
إذًا، ما هو الطريق الصحيح والأكثر ضمانًا؟
يشترط غالبية القضاة عمليًا أن تكوني قد قمتِ بالخطوات التالية أولًا:
- رفعتِ دعوى “مطالبة بنفقة” مستقلة.
- حصلتِ على حكم قضائي يلزم الزوج بالنفقة.
- بعد صدور الحكم وتقديمه للتنفيذ، استمر الزوج في الامتناع عن السداد.
فإذا أثبتِّ للقاضي أن لديكِ حكمًا بالنفقة لم ينفذه الزوج، فهنا يكون موقفكِ قويًا جدًا، لأن امتناعه عن تنفيذ أمر قضائي هو أقوى دليل على إصراره على عدم الإنفاق.
هل هناك استثناءات لهذه القاعدة؟
نعم، بكل تأكيد، فمن المهم أن نوضح أن السلطة التقديرية تعود للقاضي ناظر الدعوى. بعض القضاة قد يقبلون دعوى فسخ النكاح لعدم الإنفاق مباشرةً إذا قدمتِ أدلة قوية جدًا على امتناع الزوج لفترة طويلة، مثل إقراره الصريح بعدم الإنفاق أو وجود إثباتات قاطعة على أنه مقتدر ويرفض الإنفاق عمدًا.
ولكن، الاعتماد على هذا الاستثناء فيه قدر من المخاطرة، فقد تقع دعواكِ لدى قاضٍ يرى ضرورة وجود حكم نفقة سابق.
كيف تثبتين عدم الإنفاق أمام القاضي؟
في دعوى الفسخ، يقع عليكِ عبء إثبات أن الزوج لا ينفق، لا يمكنكِ إثبات “العدم“، ولكن يمكنكِ إثبات دلائل وقرائن تؤكد عدم إنفاقه، مثل:
1. الحكم القضائي السابق بالنفقة: كما ذكرنا، هذا هو دليلك الأقوى.
2. إثبات أنكِ من تنفقين: عن طريق تقديم كشوفات حساب بنكية تظهر أنكِ من تسددين الإيجار أو فواتير المنزل، أو إيصالات تحويل من أهلكِ لمساعدتكِ ماليًا.
3. الأدلة الرقمية: محادثات واتساب أو رسائل نصية تطلبين فيها منه النفقة ويرفض أو يماطل.
4. شهادة الشهود: شهادة من يعيش معكِ أو الجيران بأنه لا يلبي متطلبات المنزل الأساسية.
5. إقرار الزوج: أن يعترف الزوج بنفسه أمام القاضي بأنه لا ينفق.
خارطة الطريق الصحيحة لفسخ النكاح لعدم الإنفاق:
1. الخطوة الأولى: دعوى النفقة. قبل كل شيء، قومي برفع دعوى “مطالبة بنفقة زوجية وأبناء” أمام محكمة الأحوال الشخصية.
2. الخطوة الثانية: قرارات التنفيذ، بعد الحصول على حكم النفقة، قومي بتقديمه لمحكمة التنفيذ.
3. الخطوة الثالثة: دعوى الفسخ. إذا استمر الزوج بالامتناع عن التنفيذ، يمكنكِ الآن رفع دعوى “فسخ نكاح لعدم الإنفاق”، وقدمي نسخة من حكم النفقة وحكم التنفيذ كدليل أساسي في قضيتك.
هل ترغبين في استكشاف جميع أسباب فسخ النكاح؟
هذا المقال ركزنا بالتفصيل على [الفسخ بسبب عدم الإنفاق]، ولمعرفة قائمة كاملة بجميع الأسباب الأخرى التي أقرها نظام الأحوال الشخصية، يمكنكِ الرجوع إلى دليلنا الرئيسي الشامل، اقرئي الآن: [الدليل الشامل لأسباب فسخ عقد النكاح في السعودية]
أسئلة شائعة حول فسخ النكاح لعدم الإنفاق
هذه مجموعة من الأسئلة الأكثر شيوعًا والتي قد تساعدكِ على فهم حقوقكِ بشكل أفضل:
لا، على الإطلاق، بل إن حقكِ في النفقة لا يسقط حتى لو كنتِ موسرة أو موظفة، فالمادة (44) من نظام الأحوال الشخصية واضحة جدًا في أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها بكل الأحوال، فإن راتبكِ هو مالكِ الخاص، ولا يُلزمكِ النظام بالإنفاق منه على المنزل.
نعم، يعتبر تقصيرًا؛ لأن النفقة ليست فقط مسكنًا، بل تشمل كل احتياجاتكِ الأساسية من مأكل، ومشرب، وملبس، وعلاج، وكل ما يليق بحالكِ وحال الزوج المادي “بالمعروف”، والاكتفاء بسداد الإيجار فقط مع إهمال باقي المتطلبات الأساسية يمكن اعتباره سببًا للمطالبة بالنفقة ومن ثم الفسخ.
النظام يحميكِ في هذه الحالة؛ لكون المادة (107) تمنحكِ الحق في طلب الفسخ ليس فقط إذا “امتنع” الزوج عن الإنفاق، بل أيضًا إذا “تعذر استيفاء النفقة منه”، ومن ثَم؛ فإذا كان الزوج لا يعمل بالفعل ولا يملك أموالًا ظاهرة يمكن الحجز عليها، فهذا يعتبر سببًا كافيًا لطلب الفسخ لأن الضرر واقع عليكِ باستمرار الحياة معه دون منفق، وفي بعض الحالات، قد يكون عدم قدرته على العمل أو الاحتفاظ بوظيفة ناتجًا عن مشكلة أعمق [كالإدمان على المخدرات]، وهو ما يجب الانتباه له كسبب إضافي للفسخ.
لا، لا يلزمكِ إعادة المهر؛ لأن عدم الإنفاق هو خطأ وتقصير من جانب الزوج وهو المتسبب في الضرر الذي أدى للفسخ، وكذلك نظام الأحوال الشخصية هو من قرر أن عدم النفقة سبب معتبر يمنح الزوجة الحق في طلب فسخ النكاح، والقاعدة العامة هي أن الفسخ إذا كان بسبب ضرر من الزوج، فإنه يكون بدون عوض (أي بدون إعادة المهر).
لا، لا يمكن، هاتان دعويان مختلفتان تمامًا، فدعوى النفقة هدفها “إلزام الزوج بدفع مبلغ مالي”، أما دعوى الفسخ فهذفها “إنهاء العلاقة الزوجية”. كما شرحنا، من الأفضل أن تحصلي على حكم في دعوى النفقة أولًا، ثم تستخدمينه كدليل قوة في دعوى الفسخ لاحقًا.
هل تحتاجين إلى مساعدة في تحصيل حقوقك النظامية؟
دعاوى النفقة والفسخ تتطلب معرفة دقيقة بالإجراءات لضمان عدم ضياع وقتكِ وحقوقكِ. نحن في شركة نوماس للمحاماة نكرس خبرتنا للقضايا الجادة التي نتولى تمثيلها، ونرشدكِ للطريق الصحيح خطوة بخطوة.
إذا كنتِ قد عزمتِ على المطالبة بحقوقكِ وتحتاجين إلى تمثيل نظامي احترافي، يمكنكِ التواصل معنا لبدء إجراءات قضيتك.
مقالات أخرى قد تهمك
1- كيفية رفع دعوى فسخ نكاح في السعودية: الخطوات تفصيلًا
2- متى يحق للقاضي فسخ النكاح بدون عوض؟
