يُعد برنامج “التعليم الموازي” أحد أبرز المسارات الأكاديمية التي قدمتها الجامعات السعودية في فترة سابقة للطلاب الطموحين. ورغم أهميته، يظل هناك جانب نظامي حيوي يغفل عنه الكثيرون: الحق في استرداد كامل الرسوم الدراسية التي تم سدادها خلال فترة سريان أمر سامٍ قضى بمجانية البرنامج.
فبينما كان الطلاب يسددون تكاليف دراستهم، كان هناك قرار سيادي يُلزم الدولة بتحمل هذه النفقات، مما يعني أن أي مبالغ تم تحصيلها من الطلاب خلال تلك الفترة تُعد غير مستحقة نظامًا ويجب ردها.
انطلاقًا من خبرتنا العملية في تولي العديد من قضايا استرداد رسوم التعليم الموازي وتحقيق نتائج إيجابية بفضل الله، نقدم لك هذا المقال ليكون مرجعك الأول.
سنوضح لك ماهية هذا البرنامج، ونكشف عن الأساس النظامي لحقك في استرداد الرسوم، ونحدد الإطار الزمني الدقيق للمطالبة، ونرشدك خطوة بخطوة لكيفية رفع دعوى قضائية ناجحة أمام ديوان المظالم.
أولًا: ما هو التعليم الموازي؟ وهل يختلف عن التعليم النظامي؟
يُعرَّف التعليم الموازي، استنادًا إلى مرجع قضائي، بأنه:
“التعليم الجامعي أو العالي الذي تُقدِّم فيه الجامعة أو الكلية الجامعية كل أو بعض برامجها في المساء، أو بعد الدراسة الأساسية لطلبتها، أو بعد وقت عملها الأصلي المُعتاد“.
من هذا التعريف، نجد أن كلمة “موازي” تعكس تشابهًا كبيرًا مع التعليم النظامي، ولفهم الصورة بشكل كامل، دعنا نستعرض أوجه التشابه والفارق الجوهري بين النظامين.
أوجه التشابه الرئيسية بين التعليم الموازي والنظامي
يتطابق البرنامجان في ثلاثة جوانب أساسية تضمن جودة التعليم ومخرجاته، وهي:
1- توحيد المناهج الدراسية: المنهج الذي يدرسه طلاب التعليم الموازي هو نفسه المنهج المعتمد في التعليم النظامي، بنفس المواد والمقررات الدراسية دون أي اختلاف.
2- نفس هيئة التدريس: يقوم على تدريس كلا البرنامجين نفس الكادر الأكاديمي من الأساتذة والمحاضرين، مما يضمن تطابق جودة الشرح والتوجيه الأكاديمي.
3- استخدام نفس المرافق والإمكانات: يُعقد التعليم الموازي داخل منشآت الجامعة، ويستفيد طلابه من نفس القاعات الدراسية والمختبرات والمكتبات المتاحة لطلاب التعليم النظامي.
الفارق الوحيد: توقيت الدراسة
يكمن الاختلاف الجوهري والوحيد بين النظامين في توقيت الدراسة؛ حيث يُقدَّم التعليم الموازي خارج أوقات الدوام الرسمي، أي في الفترة المسائية غالبًا، ليتناسب مع ظروف الطلاب الذين قد يكونون مرتبطين بأعمال أو التزامات أخرى خلال الفترة الصباحية.
بناءً على ما سبق، يتضح بشكل قاطع أن الفارق بين التعليم الموازي والتعليم النظامي هو فارق في “توقيت الدوام” فقط. أما ما عدا ذلك، فلم يرد أي تمييز أو تخصيص بينهما. ولهذا، فإن أي تفسير يضيف فروقًا أخرى بين النظامين يُعد تحكُّمًا على الأمر السامي (القاضي بتحمل الدولة نفقات التعليم الموازي)، وتخصيصًا لمُطلقه بغير دليل.
ثانيًا: هل التعليم الموازي مجاني؟ نص الأمر السامي الحاسم
بخصوص الرسوم الدراسية للتعليم الموازي، صدر الأمر السامي رقم (5659/م) بتاريخ 20/07/1429هـ من ديوان رئاسة مجلس الوزراء، والذي حسم مسألة التكاليف بشكل قاطع، فلقد نص الأمر السامي بوضوح على ما يلي:
“…الموافقة على تحمُّل الدولة تكاليف الدراسة الخاصة ببرنامج التعليم الموازي في الجامعات؛ ونُخبركم بموافقتنا على ذلك؛ فأكملوا ما يلزم بموجبه“.
ماذا يعني هذا الأمر السامي للطالب؟
هذا النص الصريح لا يترك مجالًا للتأويل، فهو يعني أن:
- الدولة هي المسؤول عن سداد الرسوم: تتحمل الدولة -حفظها الله- كامل تكاليف الدراسة في برنامج التعليم الموازي.
- لا يتحمل الطالب أي نفقات: لا يُفترض بالطالب أن يدفع أي مصروفات دراسية طوال فترة التحاقه بالبرنامج.
- الحق في استرداد الرسوم المدفوعة: بناءً على هذا الأمر السامي، يحق لأي طالب قام بدفع رسوم خاصة بالتعليم الموازي أن يطالب باستردادها بالكامل
ثالثًا: نقطة تحول: إلغاء برنامج التعليم الموازي
صدر لاحقًا أمر سامٍ جديد أحدث تغييرًا جذريًا، وهو الأمر السامي رقم (38349) بتاريخ 2/8/1439هـ، والذي قضى بإلغاء برنامج التعليم الموازي بشكل كامل، فجاء في نص الأمر ما يلي:
“أولًا: إيقاف جميع برامج التعليم الموازي في الجامعات نهائيًّا لجميع المراحل التعليمية (دبلوم، وتجسير، وبكالوريوس، وماجستير، ودكتوراه) في جميع التخصصات بلا استثناء، ويمكن للجامعات تقديم برامج مدفوعة بديلة برسوم دراسية تُحصَّل من الطلاب… دون أن تتحمل الدولة أي تكاليف…“.
بموجب هذا القرار، تم إيقاف البرنامج رسميًا، وأصبحت البرامج البديلة (إن وجدت) مدفوعة من قبل الطلاب أو الجهات المستفيدة، وليس من الدولة.
ملاحظة هامة: الإطار الزمني لاسترداد الرسوم
يجب الانتباه إلى أن الحق في استرداد رسوم التعليم الموازي يقتصر على فترة زمنية محددة، هذه الفترة هي التي كان فيها الأمر السامي الأول (القاضي بمجانية التعليم الموازي) ساري المفعول، قبل أن يتم إلغاؤه بالأمر السامي الثاني، ويمكن تلخيص الإطار الزمني على النحو التالي:
1- الفترة الذهبية للمطالبة: تمتد من تاريخ صدور الأمر الأول في 20/07/1429هـ، وحتى صدور أمر الإلغاء في 2/8/1439هـ.
2- ما قبل 20/07/1429هـ: لا يحق للطالب المطالبة، لأن قرار مجانية التعليم لم يكن قد صدر بعد.
3- ما بعد 2/8/1439هـ: لا يحق للطالب المطالبة، لأن البرنامج أُلغي رسميًا، ونص الأمر الجديد صراحةً على عدم تحمل الدولة للتكاليف.
وهنا يثور التساؤل المحوري: متى إذن يمكن للطالب المطالبة باسترداد الرسوم التي دفعها خلال تلك الفترة؟
رابعًا: الشرط الأساسي للمطالبة: متى يحق لك استرداد الرسوم؟
قد يعتقد البعض أن الحق في المطالبة باسترداد الرسوم ينتهي بانتهاء البرنامج نفسه في 2/8/1439هـ، ولكن هذا فهم غير دقيق، بل إن الشرط الأساسي للمطالبة لا يتعلق بتاريخ رفع الدعوى، بل بتاريخ الدراسة نفسها، لتوضيح ذلك، يجب أن نفرق بين مفهومين:
- فترة استحقاق الإعفاء (فترة الدراسة): هي الفترة التي التحقت فيها بالجامعة ودفعت الرسوم.
- فترة رفع المطالبة (وقت تقديم الطلب): هي الوقت الذي تتقدم فيه بطلبك لاسترداد ما دفعته.
القاعدة الذهبية: العبرة بتاريخ الدراسة وليس بتاريخ المطالبة
يمكنك المطالبة باسترداد رسوم التعليم الموازي حتى بعد تاريخ إلغاء البرنامج (2/8/1439هـ)، بشرط واحد: أن تكون فترة دراستك التي دفعت عنها الرسوم واقعة ضمن الإطار الزمني الذي كان فيه البرنامج مجانيًا (بين 20/07/1429هـ و 2/8/1439هـ).
مثال توضيحي
لنفترض أن طالبًا التحق ببرنامج التعليم الموازي عام 1435هـ وتخرج عام 1438هـ، وقام بسداد كافة الرسوم الدراسية خلال هذه السنوات.
- فترة دراسته: تقع بالكامل ضمن “الفترة الذهبية” التي كانت فيها الدراسة مجانية بأمر سامٍ.
- اكتشافه للحق: لم يعلم هذا الطالب بحقه في استرداد الرسوم إلا في عام 1442هـ (أي بعد إلغاء البرنامج بسنوات).
النتيجة: يحق لهذا الطالب قطعًا المطالبة باسترداد جميع الرسوم التي دفعها، لأن حقه نشأ وقت الدراسة، وتحصيل الجامعة لهذه الرسوم كان مخالفًا للنظام وقتئذٍ، فحقه في المطالبة لا يسقط بمجرد إلغاء البرنامج.
خامسًا: كيف أرفع دعوى استرداد رسوم التعليم الموازي؟ (خطوات عملية)
إذا كنت مستحقًا لاسترداد الرسوم، فإن الخطوة التالية هي تحريك الدعوى القضائية. إليك الإجراءات المتبعة وأهم المتطلبات.
الخيار الأول: الاستعانة بمحامٍ متخصص (موصى به)
على الرغم من أن النظام السعودي يمنحك الحق في الترافع عن نفسك، إلا أننا نوصي بشدة بالاستعانة بمحامٍ متخصص في القضايا الإدارية. لماذا؟
- طبيعة القضاء الإداري: يعتبر القضاء الإداري (ديوان المظالم) مجالًا دقيقًا ومتخصصًا يتطلب خبرة ودراية واسعة بتعقيداته.
- ضمان سير الإجراءات: المحامي الخبير يضمن أن الدعوى تُبنى على أسس نظامية سليمة، مما يزيد من فرص الوصول إلى النتيجة المرجوة بإذن الله.
- راحة البال: توكيل محامٍ يريحك من عناء متابعة الإجراءات المعقدة ويجعلك مطمئنًا إلى أن قضيتك في أيدٍ أمينة.
للحصول على استشارة قانونية أو توكيل محامٍ متخصص في قضايا التعليم الموازي، لا تتردد في التواصل معنا.
الخيار الثاني: رفع الدعوى بنفسك
إذا قررت رفع الدعوى بنفسك، تُقام الدعوى مبدئيًا أمام المحاكم الإدارية (ديوان المظالم). يجب أن تتضمن لائحة الدعوى البيانات والمرفقات التالية بشكل واضح ودقيق:
1- بيانات أطراف الدعوى:
- بياناتك الشخصية: اسمك الكامل ورقم الهوية الوطنية.
- بيانات المدعى عليها: اسم الجامعة التي درست بها.
2- تفاصيل الدراسة والمطالبة:
- معلومات البرنامج الدراسي: اذكر تخصصك الدراسي وتاريخ تخرجك.
- إثبات الدراسة والرسوم: وضّح أن دراستك كانت ضمن برنامج “التعليم الموازي” مع بيان تفصيلي للمبالغ التي سددتها.
- تأكيد الأهلية: بيّن بوضوح أن فترة دراستك تقع ضمن الإطار الزمني الذي يشمله الأمر السامي بالإعفاء من الرسوم.
3- الأساس النظامي والمرفقات:
- السند النظامي: استند بشكل أساسي إلى الأمر السامي رقم (5659/م) وتاريخ 20/07/1429هـ، مع ذكر أي مواد نظامية أخرى ذات صلة.
- المرفقات الداعمة: قم بإرفاق نسخة من شهادتك الجامعية وأي إيصالات سداد للرسوم إن وجدت.
4- الطلبات الختامية: اختتم لائحة الدعوى بطلب واضح ومحدد: إلزام الجامعة المدعى عليها برد المبلغ المستحق وقدره (اكتب المبلغ هنا).
للاطلاع على مثال حي:
إليك سابقة قضائية تعتبر من أفضل الأحكام الصادرة في هذا الشأن، يمكنك الاسترشاد بأسبابها ومنطوقها: إذ صدَر في شأن تكاليف الدراسة في التعليم الموازي حُكْم يقضي باستردادها، وجاء فيه: “..وحيث إن المدعى عليها تمتنع عن رد الرسوم متذرِّعةً بقَصْر الأمر السامي المذكور ببرنامج التعليم الموازي الخاص بالتخصصات الصحية، وعدم شموله لبرنامج الانتساب، وحيث إن الأمر السامي رقم (٥٦٥٩/م) وتاريخ ١٤٣٩/٠٩/٢٠هـ، نص على الموافقة على تحمل الدولة تكاليف الدراسة الخاصة ببرنامج التعليم الموازي في الجامعات، وعليه فإن برامج التعليم الموازي ليست محصورة في مرحلة أو تخصص، إذا إن معناها ظاهر الدلالة، فلفظ التوازي جاء من كون المرافق والإمكانات المستخدمة هي نفس مرافق الجامعة وبنفس الإدارة وطريقة التشغيل وكذلك أعضاء هيئة التدريس، دون تخصيص لبرنامج محدد أو حصره في تخصصات أو برامج محددة، ونص الأمر السامي جاء عامًّا لا يُخصِّصُ عمومَه أو يوقِفُ مقتضاه قراراتٌ إداريةٌ أقلُّ درجةً في التراتيب النظامية، واستحصال الرسوم عن برنامج التعليم الموازي يُعَدُّ تخصيصًا لعموم الأمر السامي بلا موجب ولا مستند، ولا يجوز التفريق بين البرامج واعتبار بعضها ليس برنامجًا موازيًا مشمولًا اعتمادًا على أنه ليس له نظير في البرامج النظامية المجانية، ولا يتمكن طلابه من إكمال الدراسات العليا – وهو ما أسسَّتْه المحكمة العليا في قضائها في الاعتراض رقم (٥٣٥) لعام ١٤٤٣هـ، والاعتراض (٥٢٢) لعام ١٤٤٣هـ، والاعتراض رقم (١٣٩٢) لعام ١٤٤٣هـ، وعليه فإن ما تقاضته من تكاليف دفعها المدعي لا يخرج عن كونه تحصيلًا لمبالغ تحملتْها الدولة طبقًا لنص الأمر السامي المشار إليه، لا سيما أن دراسة المدعي قبل صدور الأمر السامي رقم (٣٨٣٤٩) وتاريخ ٠٢/٠٨/١٤٣٩هـ، المتضمن إيقاف جميع برامج التعليم الموازي، عليه يتبين عدم استحقاق المدعى عليها لما تقاضته من أموال؛ الأمر الذي تنتهي معه الدائرة إلى منطوقها أدناه. وعليه حكمت الدائرة: إلغاء قرار (….المدعى عليها…..) المتمثل بالامتناع عن رد الرسوم الدراسية المدفوعة من (….المدعي…..)“.
اقرأ أيضًا عن/ استرجاع رسوم الانتساب بالجامعات