تُعتبر الاستمرارية في عقد العمل هدفًا أساسيًا، فمن جانب العامل فهو يسعى إلى تقديم خدماته في مقابل الأجر، بينما يستفيد صاحب العمل من هذه الخدمات لتسيير أعمال النشاط التجاري أو المهني الذي يباشره بنفسه أو من خلال منشأة أو مؤسسة أو شركة، ومع ذلك، فمن المسلمات أن العقود قد تتأثر بعوامل خارجية وعوارض غير متوقعة، مما قد يؤثر بشكل مباشر على سريان العقد.
فيما يخص عقد العمل، قد تظهر أحداث غير متوقعة مثل وفاة صاحب العمل أو العامل، أو حتى إصابته بعجز، وهذه التغيرات لها تأثيرات مباشرة على استمرار العقد وتنفيذه، ولتنظيم هذه الحالات ولضمان التعامل معها بشكل نظامي، جاءت المادة 79 من نظام العمل السعودي لتحدد بوضوح مصير عقد العمل إذا ما طرأ عليه أي عارض من العوراض المشار إليها.
سنُسلِط الضوء في مقالنا على هذه العوارض مع بيان تفصيلي لشروط كل حالة:
أولًا: وفاة صاحب العمل: بين الأصل واستثناءه
تنص المادة 79 من نظام العمل على أنه: “لا ينقضي عقد العمل بوفاة صاحب العمل، ما لم تكن شخصيته قد روعيت في إبرام العقد…“، وبيان أحكام تلك الحالة في الآتي:
1- الأصل: هو أن عقد العمل يظل مستمرًا حتى مع وفاة صاحب العمل، وهذا يعني أن الوفاة هنا لا تؤدي تلقائيًا إلى إنهاء العلاقة العمالية، ويهدف النظام من ذلك إلى الحد من تشتت ظروف العامل، بأن يوفر له استقرارًا إلى أقصى حد، ويحميه من فقدان وظيفته فجأة بسبب ظروف غير متوقعة خارجة عن إرادته.
2- الاستثناء: هو أن عقد العمل ينقضي في حالة كان العقد قد أبرم بناءً على شخصية صاحب العمل، وهذا يعني أن العقد كان يعتمد بشكل كبير على سمات شخصية صاحب العمل أو قدراته الفردية، ولا يمكن استمراره بعد وفاته، فعندما تكون شخصية صاحب العمل جزءًا جوهريًا من العقد، كأن يكون هو العنصر الأساسي في تقديم خدمات معينة أو في حالات التعاقد الشخصية الخاصة، فإن استمرار العقد قد لا يكون ممكنًا. في هذه الحالة، فإن الاستمرار في تنفيذ العقد سيكون غير عملي أو غير ممكن نظرًا لغياب الشخص الذي كان يعتمد عليه العقد.
أمثلة للتوضيح والبيان:
1- مثال على استمرار العقد: إذا توفي صاحب شركة تجارية، فإن العقد مع موظفي الشركة لا ينتهي تلقائيًا؛ إذ إن الشركة يمكن أن تستمر في العمل تحت إدارة خلفاء أو ممثلين قانونيين معينين، ويجب على هؤلاء الخلفاء أو الممثلين مواصلة تنفيذ شروط العقد دون أي تغيير.
2- مثال على انقضاء العقد: إذا كان عقد العمل مرتبطًا بشخصية استشاري خاص كان له سمات ومهارات فريدة، فإن وفاته قد تؤدي إلى انقضاء العقد، لأن المهارات والخبرات الشخصية الخاصة التي قدمها الاستشاري لم تعد متاحة.
ثانيًا: وفاة العامل في نظام العمل السعودي
تنص المادة 79 من نظام العمل على أنه: “…ولكنه ينتهي بوفاة العامل..“، ومما لا شك فيه أن هذه الحالة من البديهيات؛ إذ لا يُعقَل أن يستمر تنفيذ عقد العمل، في حين أن العامل نفسه والمنوط به مباشرة العقد قد توفاه الله!! والسؤال المُثار في هذا الشأن؛ هو ما مصير حقوق العامل بعد وفاته، ولمن تؤول، وما الإجراءات المُتبعة؟! هذا ما نبينه فيما يلي:
1- التزام صاحب العمل بتصفية المستحقات: بمجرد وفاة العامل تكون مستحقاته دينًا في ذمة صاحب العمل، وتشمل هذه المستحقات كافة حقوقه العمالية من مكافأة نهاية الخدمة، وأجور متأخرة، وبدل الإجازات غير المتمتع بها، وأي حقوق أخرى منصوص عليها نظامًا أو في عقد العمل.
2- بحد أقصى أسبوع: يكون صاحب العمل ملتزمًا بتصفية المستحقات خلال أسبوع واحد كحد أقصى من تاريخ وفاة العامل، وفقًا للمادة 88 من نظام العمل، بما نصها: “إذا انتهت خدمة العامل وجب على صاحب العمل دفع أجره وتصفية حقوقه خلال أسبوع -على الأكثر- من تاريخ انتهاء العلاقة العقدية..“.
3- تؤول المستحقات لورثة العامل: بعد حساب مستحقات العامل، يلتزم صاحب العمل بتسليم هذه المستحقات إلى الورثة الشرعيين للعامل، ويجب على الورثة تقديم المستندات اللازمة لصاحب العمل؛ لإثبات هويتهم وعلاقتهم بالمتوفى، بما في ذلك صك حصر الورثة، الذي يحدد قائمة الورثة الشرعيين ونصيب كل واحد منهم.
4- شرط إصدار صك حصر ورثة: من الضروري إصدار صك حصر ورثة لتحديد المستحقين الحقيقين لتركة العامل ونصيب كل وارث من هذه المستحقات، ويصدر صك حصر الورثة من قبل محكمة الأحوال الشخصية من خلال خانة الإنهاءات بـ“ناجز“، وهذه الصورة توضح لكم شكل هذا الصك:
5- حق اللجوء للمحكمة: إذا امتنع صاحب العمل دون مسوغ عن تصفية مستحقات العامل وتسليمها للورثة المستحقين كلٌ حسب نصيبه؛ فيكون للورثة الحق في رفع دعوى أمام المحكمة العمالية؛ للمطالبة بإلزام صاحب العمل بسداد المستحقات العمالية.
6- شروط لازمة لرفع الدعوى: يتعين قبل قيد الدعوى أمام المحكمة العمالية تقديم طلب إلى لجان التسوية الودية بوزارة الموارد البشرية، وصدور محضر من قِبَل اللجنة بتعذر الصُلح بين الطرفين، كما يُشتَرَط أن تُقام الدعوى خلال (12) شهرًا من تاريخ وفاة العامل، وإلا يسقط الحق في الرفع، وفقًا لما جاء في المادة 234 من نظام العمل: “أ- لا تقبل أمام المحاكم العمالية أي دعوى تتعلق بالمطالبة بحق من الحقوق المنصوص عليها في هذا النظام أو الناشئة عن عقد العمل بعد مضي اثني عشر شهرًا من تاريخ انتهاء علاقة العمل، ما لم يقدم المدعي عذرًا تقبله المحكمة، أو يصدر من المدعى عليه إقرار بالحق“.
ثالثًا: عجز العامل عن أداء العمل
تنص المادة 79 من نظام العمل على أنه: “…ينتهي عقد العمل بعجز العامل عن أداء عمله، وذلك بموجب شهادة طبية معتمدة من الجهات الصحية المخولة، أو من الطبيب المخول الذي يعينه صاحب العمل“، وفي هذا السياق، يمكن تفصيل النقاط التالية:
1- إصابة العامل: يتعين أولاً تحديد سبب العجز الذي يعاني منه العامل، والذي قد يكون ناتجًا عن إصابة عمل أو مرض مزمن أو أي عارض آخر، وفي حال وقوع إصابة، يجب على صاحب العمل أن يتأكد من أن الإصابة قد تسببت في عدم قدرة العامل على أداء عمله، وذلك من خلال التقارير الطبية والتشخيصات الرسمية.
2- العجز التام عن أداء العمل: يعتبر العجز التام عن أداء العمل شرطًا أساسيًا لإنهاء عقد العمل بناءً على المادة 79، يشير العجز التام إلى عدم قدرة العامل على أداء أي نوع من الأعمال التي كانت من ضمن مسؤولياته.
3- شرط ثبوت العجز بموجب شهادة طبية: لتوثيق العجز، يجب الحصول على شهادة طبية معتمدة من الجهات الصحية المخولة أو من الطبيب المعتمد من قبل صاحب العمل، ويتطلب ذلك تقديم تقرير طبي يحدد طبيعة العجز ومدى تأثيره على قدرة العامل على أداء العمل، ويعد هذا شرطًا جوهريًا يقع إثباته على عاتق العامل، وبدونه لا يملك العامل ترك العمل وإلا أصبح منهيًا للعقد إنهاءً غير مشروعٍ ومطالبًا بتعويض صاحب العمل.
4- تصفية مستحقات العامل: بعد تأكيد العجز وإنهاء عقد العمل؛ يجب على صاحب العمل تصفية مستحقات العامل وفقًا للمادة 88 من نظام العمل، وبنفس الضوابط والإجراءات التي سبق أن بيناها أعلاه عند الحديث عن إنهاء العقد بسبب وفاة العامل.