من أهم الشروط الواجب توفرها حتى تتمكن الزوجة من طلب فسخ نكاحها أمام قاضي الأحوال الشخصية، هو أن تكون دعوى الزوجة قائمةً على أسباب شرعية أو نظامية مُعتبرة تُبرر طلب الفسخ.
وسنُسلِط الضوء في مقالنا على شرح كافة هذه الاسباب، بتفصيلٍ كافٍ ووافٍ إن شاء الله تعالى.
اسباب فسخ عقد النكاح
تعدّ عقود النكاح من الروابط الاجتماعية المهمة في المجتمع السعودي؛ حيث تتضمن التزامات وحقوق متبادلة بين الزوجين، ومع ذلك، قد تطرأ ظروف أو مشكلات تؤدي إلى استحالة استمرار العلاقة الزوجية دون إضرارٍ بالزوجة؛ مما يستدعي فسخ عقد النكاح.
وقبل صدور نظام الأحوال الشخصية، كان يتم الاعتماد على أحكام الشريعة الإسلامية لتحديد اسباب الفسخ، ثم مع دخول هذا النظام حيز التنفيذ، أصبح هناك إطارًا نظاميًا محدد يتناول بيان تلك الأسباب، فهي موضحة بدايةً من المادة رقم (103) إلى المادة رقم (115) من ذلك النظام.
وفي هذا السياق، سنستعرض جميع الاسباب التي يمكن أن تؤدي إلى فسخ عقد النكاح من جانب الزوجة، وذلك على التفصيل التالي:
أولًا: فسخ النكاح بسبب الضرر
هذا أحد أهم اسباب فسخ عقد النكاح من قبل الزوجة، والأكثر شيوعًا في ذلك النوع من القضايا، والضرر في سياق فسخ النكاح هو أي فعل أو سلوك يصدر عن الزوج يؤدي إلى إلحاق الأذى بالزوجة نفسيًا أو جسديًا أو اجتماعيًا، مما يجعل الاستمرار في الحياة الزوجية غير ممكن أو غير محتمل.
وهو منصوص عليه في المادة (108) من نظام الأحوال الشخصية، بأنه: “تفسخ المحكمة عقد الزواج بناءً على طلب الزوجة؛ لإضرار الزوج بها ضررًا يتعذر معه دوام العشرة بالمعروف، إذا ثبت الضرر“، والشرط الأساسي لتحقق هذا السبب هو أن يكون الضرر صادرًا عن الزوج نفسه، ومتعذرًا معه دوام العشرة بالمعروف بين الزوجين، وفي الواقع العملي توجد صور مختلفة لهذا الضرر، نتناولها فيما يلي:
1- فسخ النكاح بسبب السب والشتم
تعتبر الألفاظ الخارجة أو البذيئة من أقوى أشكال الضرر النفسي؛ حيث يؤثر السب والشتم بشكل سلبي جسيم على نفسية الزوجة وكرامتها، وإذا كان الزوج يمارس هذه السلوكيات بشكل متكرر، فإن ذلك يمكن أن يُعتبر سببًا قويًا لطلب الفسخ؛ لكونه نوع من الضرر الموجِب للفسخ، كما أنه من الأفعال المُجرمة والمُحرمة شرعًا، لقول الله تعالى: “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا” [سورة الأحزاب/58]
وعليه؛ إذا كانت الزوجة تعاني من هذه الظروف، فيجب عليها أن تدرك حقوقها النظامية في طلب الفسخ بناءً على الضرر النفسي الناتج عن السب والشتم، وتعتبر محكمة الأحوال الشخصية الجهة المسؤولة عن تقييم الحالة وظروف الضرر، كما يُطلب من الزوجة تقديم الأدلة والشهادات التي تثبت تعرضها للسب والشتم من قِبَل الزوج.
2- فسخ عقد النكاح بسبب سوء العشرة
سوء العشرة بين الزوجين يُعد من الاسباب الرئيسية التي تدفع الزوجة إلى طلب فسخ عقد النكاح، ويحدث سوء العشرة عندما يكون التعامل اليومي بين الزوجين مليئًا بالتوتر والعدوانية، مما يجعل استمرار الحياة الزوجية مستحيلًا.
ويشمل ذلك قيام الزوج بالتصرفات المهينة، الإهمال المستمر، أو التعامل بشكل غير لائق مع الزوجة سواء أمام الناس أو في الحياة الخاصة، ويُعتبر هذا السلوك نوعًا من الضرر الذي يمكن أن يُبرر طلب الفسخ، إذ يؤثر بشكل مباشر على الحياة النفسية والاجتماعية للزوجة، كما أنه يتعارض مع الغاية السامية التي قررها الله عز وجل من قيام العلاقة الزوجية على المودة والرحمة بين الزوجين، فيقول المولى سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، كما جاءت المادة (42) من نظام الأحوال الشخصية، ونصت على أنه: “يلزم على كل من الزوجين حقوق للزوج الآخر، وهي: 1- حسن المعاشرة بينهما بالمعروف، وتبادل الاحترام بما يؤدي للمودة والرحمة بينهما…“.
ومن ثَم؛ إذا شعرت الزوجة بأنها تعيش في بيئة زوجية تسودها سوء العشرة، يكون من حقها اللجوء إلى محكمة الأحوال الشخصية للمطالبة بفسخ عقد النكاح، ويتطلب الأمر تقديم أدلة ملموسة تثبت هذا السلوك المتكرر من قبل الزوج، مثل شهادات من أفراد الأسرة أو الأصدقاء الذين شهدوا تلك المواقف، أو توثيق تصرفات معينة تُظهر عدم احترام الزوج للزوجة وإهانتها بشكل مستمر.
وتُعد محكمة الأحوال الشخصية الجهة المختصة بدراسة وتقييم حالة سوء العشرة، وإذا ثبتت الأدلة المقدمة من الزوجة، يمكن أن تصدر المحكمة حكمًا بفسخ النكاح بناءً على الضرر الواقع.
3- فسخ عقد النكاح بسبب الخيانة
تعتبر الخيانة الزوجية من أكثر الأسباب التي تؤثر بشكل عميق على العلاقة بين الزوجين؛ حيث تؤدي إلى انعدام الثقة وانهيار الرابط العاطفي بين الزوجين، وإذا ثبتت الخيانة من قبل الزوج، فإن ذلك يعد ضررًا بالغًا للزوجة، ويحق لها طلب فسخ عقد النكاح بناءً على هذا الأساس؛ إذ إن الخيانة ليست فقط خرقًا للالتزام الأخلاقي والديني بين الزوجين، ولكنها أيضًا تعتبر جريمة يُعاقب عليها النظام والشريعة، وتُسمى جريمة “خلوة غير شرعية” أو “ربط علاقة محرمة“.
ولا شك أنه يجب ألا يكون هناك رابطة شرعية بين الزوج والمرأة التي يُدعى حدوث الخيانة معها، فلو كانت خطيبته أو قد ملك عليها، أو تزوجها مثلًا؛ فمن البديهي أن ينتفي الفعل المُحرَم، ولا يُطلق عليه وصف “الخيانة”، وبالتالي؛ لا حق للزوجة في طلب فسخ النكاح، فلا خيانة في هذا الشأن.
وعليه؛ عندما تشعر الزوجة بأنها قد تعرضت للخيانة من قِبَل زوجها؛ فيمكنها اللجوء إلى محكمة الأحوال الشخصية للمطالبة بفسخ عقد النكاح، ويجب أن تقدم الزوجة الأدلة التي تثبت الخيانة، مثل صدور حكم قضائي ضد الزوج بثبوت إدانته بارتكاب جريمة ربط علاقة محرمة أو إقامة علاقة غير شرعية، أو تقديم الزوجة الرسائل أو الصور أو الشهادات، التي تؤكد خيانة الزوج، وتعرضها للضرر.
مع ضرورة التنويه على أنه يُحظَر تقديم الزوجة لهذه الأدلة إذا كانت مأخوذة من جوال الزوج دون إذنه؛ لأن هذا في حد ذاته يعتبر جريمة يُمكن أن تُعاقَب عليها الزوجة، لذا؛ وجب الحرص والتريث.
4- فسخ عقد النكاح بسبب الضرب
يُعد ممارسة العنف الجسدي من قبل الزوج على الزوجة من الاسباب المشروعة لطلب فسخ عقد النكاح؛ حيث يعتبر الضرب من أقوى أشكال الضرر الجسدي والنفسي الذي تتعرض له الزوجة. والضرب لا يُعتبر فقط اعتداءً على جسد الزوجة، بل هو أيضًا انتهاكٌ لكرامتها الإنسانية وحقوقها الشرعية، ويؤدي هذا التصرف إلى انعدام الشعور بالأمان والطمأنينة في العلاقة الزوجية، مما يجعل استمرار الحياة الزوجية أمرًا مستحيلًا.
فإذا تعرضت الزوجة للضرب من قبل الزوج بشكل متكرر أو حتى في حالة واحدة لكنها كانت بالغة الضرر؛ يحق لها اللجوء إلى محكمة الأحوال الشخصية لطلب فسخ النكاح استنادًا إلى ما تعرضت له من ضرر جسدي، ويجب أن تقدم الزوجة الأدلة التي تثبت تعرضها للضرب، مثل تقارير طبية توضح الإصابات التي تعرضت لها، أو شهادات من شهود عيان، أو تقديم البلاغات التي سجلتها لدى الجهات المختصة، مثل الشرطة أو مراكز الحماية الأسرية، أو صدور حكم قضائي بثبوت إدانة الزوج بتعديه بالضرب على الزوجة.
ويُعتبر تقديم هذه الأدلة أمرًا أساسيًا لإثبات وقوع الضرر الجسدي الذي يمكّن المحكمة من اتخاذ قرار بفسخ النكاح، ومحكمة الأحوال الشخصية هي الجهة المختصة بدراسة هذه القضايا وتقييم مدى الضرر الذي تعرضت له الزوجة، وإذا ثبتت الأدلة بشكل كافٍ، يمكن للمحكمة إصدار حكم بفسخ عقد النكاح بناءً على الضرر الجسدي والنفسي الناتج عن ضرب الزوج.
5- فسخ النكاح بسبب المخدرات
يُعد إدمان المخدرات من الأسباب الخطيرة التي تؤدي إلى تدهور العلاقة الزوجية؛ إذ يؤثر الإدمان بشكل مباشر على استقرار الأسرة ورفاهية الزوجة والأبناء، فإذا كان الزوج يتعاطى المخدرات، فإن ذلك يؤدي إلى إهمال مسؤولياته الزوجية والعائلية، وقد يكون سببًا في ارتكابه لأعمال غير نظامية أو أخلاقية؛ مما يؤثر على سمعة الأسرة ويضعها في مواقف محرجة وخطيرة، كما أن الإدمان ينعكس سلبًا على الحالة النفسية والعاطفية للزوجة، ويجعل الحياة الزوجية غير مستقرة وغير آمنة.
وعليه؛ يحق للزوجة طلب فسخ عقد النكاح إذا ثبت أن الزوج يتعاطى المخدرات بشكل يؤثر على حياته الزوجية وقدرته على القيام بمسؤولياته، ولإثبات هذا السبب أمام محكمة الأحوال الشخصية، يمكن للزوجة تقديم الأدلة التي تثبت إدمان الزوج، مثل تقارير طبية أو شهادات من أفراد الأسرة أو الأصدقاء الذين شاهدوا الزوج وهو يتعاطى المخدرات، أو تقديم بلاغات سجلتها ضد الزوج في الجهات المختصة.
كما يمكن أن تستند الزوجة إلى أحكام قضائية سابقة ضد الزوج تُثبت إدانته بتعاطي المخدرات أو تورطه في قضايا تتعلق بالمخدرات، وفي حال تقديم الأدلة بشكلٍ كافٍ، تقوم محكمة الأحوال الشخصية بدراسة القضية، وإذا ثبت أن الزوج متعاطيٌ للمخدرات؛ فتعتبره المحكمة سببًا كافيًا لفسخ النكاح، وتصدر حكمها بذلك.
ثانيًا: فسخ النكاح بسبب الهجر
الهجر هو أحد الاسباب المشروعة التي يمكن أن تستند إليها الزوجة في طلب فسخ عقد النكاح، وقد حدد نظام الأحوال الشخصية حالتين يمكن أن يحدث فيهما الهجر، وكل حالة لها أبعاد نظامية وشروط محددة، نتناولهما فيما يلي:
1- عدم الجماع مع وجود الزوج في بيت الزوجية
فتتضمن المادة (113) من نظام الأحوال الشخصية، ما نصه: “على المحكمة أن تفسخ عقد الزواج بناءً على طلب الزوجة…: 2- إذا امتنع عن جماعها مدة تزيد على (أربعة) أشهر بلا عذر مشروع“، وهذه المادة تُعالج مسألة الامتناع عن إقامة العلاقة الزوجية، وهو ما يعد من أهم حقوق الزوجة في الحياة الزوجية، فالامتناع عن الجماع لفترة طويلة يُعتبر نوعًا من الهجر العاطفي والجسدي، مما يسبب ضررًا نفسيًا للزوجة ويؤثر على استقرار الزواج، كما أنه يفتح الباب لمفسدة عظيمة، لذا؛ كان من الضروري درء هذا الضرر، وتمكين الزوجة من طلب فسخ نكاحها، مع مراعاة الآتي:
1- مدة الأربعة أشهر: تم تحديد هذه المدة كحد أقصى لامتناع الزوج عن الجماع دون سبب شرعي، وتعتبر هذه المدة طويلة بما يكفي لتسبب ضررًا للزوجة.
2- العذر المشروع: يُفهم من النص أن الزوج يمكنه الامتناع إذا كان لديه عذر مشروع، مثل المرض أو ظروف خاصة تتعلق به، لكن في حال عدم وجود عذر، يصبح الامتناع سببًا لطلب الفسخ.
بالتالي، إذا كان الزوج يتعمد الامتناع عن إقامة العلاقة الزوجية دون سبب شرعي، يكون للزوجة الحق في اللجوء إلى المحكمة للمطالبة بفسخ عقد الزواج بناءً على هذه المادة.
2- غياب الزوج عن بيت الزوجية
فتتضمن المادة (114) من نظام الأحوال الشخصية، ما نصه: “ما لم تكن الغيبة بسبب العمل، للزوجة طلب فسخ عقد الزواج بسبب غياب زوجها المعروف موطنه أو محل إقامته إذا غاب عنها مدة لا تقل عن (أربعة) أشهر، ولو كان له مال يمكن استيفاء النفقة منه، ولا يحكم لها بذلك إلا بعد إنذاره: إما بالإقامة مع زوجته أو نلقها إليه أو طلاقها، على أن يمهل لأجلٍ لا يزيد على (مائة وثمانين) يومًا من تاريخ إنذاره“، ووفقًا لتلك المادة؛ يمكن للزوجة طلب فسخ عقد الزواج إذا غاب زوجها عنها لمدة لا تقل عن أربعة أشهر، ويُشترط هنا ما يلي:
1- المدة الزمنية: حددت المادة أربعة أشهر كحد أدنى لغياب الزوج عن الزوجة، وهي فترة طويلة تكفي لإحداث أثر نفسي واجتماعي على الزوجة. هذه الفترة تُعتبر مهلة كافية للزوج للعودة أو تعديل الوضع.
2- ألا يكون الغياب بسبب العمل: يُشترط أن يكون غياب الزوج عن زوجته غير مرتبط بظروف عمله أو التزامات مهنية، فإذا كان الغياب ناتجًا عن ظروف العمل أو تكاليف مهنية معينة، فلا يُعتبر ذلك سببًا كافيًا لطلب فسخ العقد.
3- الإنذار: يمنح النظام الزوج فرصة لتصحيح الوضع قبل فسخ العقد، وهو جزء من الإجراءات النظامية الهادفة لتجنب القرارات السريعة التي قد تؤدي إلى تفكيك الأسرة دون وجود محاولات للإصلاح.
4- الأجل الزمني بعد الإنذار: إذا تم إنذار الزوج، يُعطى له مهلة لا تزيد على مائة وثمانين يومًا لحسم الأمر، إما بعودة الزوج إلى زوجته أو اتخاذ قرار بشأن نقل الزوجة إليه أو الطلاق.
ثالثًا: فسخ النكاح بسبب الكره
كره الزوجة لزوجها يُعدّ من الأسباب التي قد تؤدي إلى طلب فسخ عقد النكاح، حيث يمكن أن ينشأ الكره عن مشاعر عدم التوافق والانسجام بين الزوجين أو المعاملة الجائرة من الزوج لزوجته؛ مما يجعل الحياة الزوجية غير ممكنة أو غير مُحتملة بالنسبة للزوجة، وغالبًا ما يكون هذا الشعور غير مرتبط بضرر مباشر أو اعتداء واضح، وإنما يتعلق برغبة الزوجة نفسها في إنهاء العلاقة بسبب ما تشعر به من نفور أو عدم ارتياح تجاه زوجها.
ويُعتبر الكره سببًا مشروعًا في طلب الفسخ وفقًا لما أكد عليه المبدأ القضائي الصادر عن المحكمة العليا برقم (541)، بما نصه: “طلب الزوجة فسخ النكاح كرهًا لزوجها، وعدم إطاقتها العيش معه، سبب معتبر شرعًا، حين الخشية من عدم إقامة حدود الله -سبحانه- وأداء الحقوق الزوجية بسبب ذلك” (ك ع): (27/3/3)، (24/12/1434)، وبهذا النص يتضح أن الكره نفسه يعتبر سببًا كافيًا لفسخ عقد النكاح، دون الحاجة إلى إثبات ضرر جسدي أو نفسي ملموس.
ولكن تجدر الإشارة إلى أنه لو كان الكره سببًا يتيح للزوجة طلب فسخ نكاحها من الزوج، إلا أنه ليس بالضرورة أن يعفيها من سداد العوض للزوج مقابل هذا الفسخ، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن شعور الكره نفسه من الأمور المعنوية والحسية غير الملموسة التي يصعب إثباتها بموجب دليل مادي، وطالما أنه لا يوجد إثبات؛ فلا يمكن إعفاء الزوجة من سداد المهر، وسنشير بعد قليل للفارق بين الفسخ بعوض والفسخ بغير عوض، فتابعي القراءة…
رابعًا: فسخ النكاح بسبب عدم النفقة
عدم النفقة يُعدّ من الأسباب المشروعة لفسخ عقد النكاح في الشريعة الإسلامية؛ حيث إن الزوج مُلزَم بالإنفاق على زوجته بما يحقق جميع احتياجاتها الأساسية من مأكل، ملبس، ومسكن، ومشرب، وهذا ما نصت عليه المادة (44) من نظام الأحوال الشخصية، من أنه: “1- نفقة كل إنسان في ماله، إلا الزوجة فنفقتها على زوجها ولو كانت موسرة..“، وأيضًا المادة (42) من نظام الأحوال الشخصية، بما نصها: “…على الزوج النفقة بالمعروف..“.
وبناءً عليه، إذا امتنع الزوج عن القيام بهذا الواجب الواقع على عاتقه، سواء كان ذلك الامتناع بعذر مشروع أو بدون عذر؛ فيكون للزوجة الحق في طلب فسخ النكاح بناءً على هذا السبب، ومستند ذلك ما جاء في المادة (107) من نظام الأحوال الشخصية، من أنه: “1- تفسخ المحكمة عقد الزواج بناءً على طلب الزوجة إذا امتنع زوجها عن الإنفاق عليها أو تعذر استيفاء النفقة منه…“.
ولكن يلزم التنويه إلى معلومة غاية في الأهمية لهذا الشأن، إذ من الواقع العملي الذي باشرناه في عدد كبير من قضايا فسخ النكاح؛ يتبين أن قضاة محاكم الأحوال الشخصية لا يعتبرون الادعاء بالامتناع عن النفقة وحده سببًا لطلب الفسخ مباشرةً، وإنما يشترطون أن تكون الزوجة قد سبق لها أن تقدمت بدعوى لتطالب بالنفقة، ثم بعد أن يصدر لها حكمًا، ويثبُت أن الزوج امتنع عن سداد النفقة رغم صدور الحكم؛ فهنا يحكمون بالفسخ مباشرةً، وإلا فلا.
خامسًا: فسخ النكاح بسبب علة في الزوج
فتتضمن المادة (104) من نظام الأحوال الشخصية، ما نصه: “1- لكل من الزوجين طلب فسخ عقد الزواج لعلة مضرة في الآخر أو منفرة تمنع المعاشرة الزوجية -سواء كانت العلة قبل عقد الزواج أو طرأت بعده- ما لم يكن طالب الفسخ عالمًا بالعلة حين إبرام العقد أو علم بها بعد إبرامه وحصل منه ما يدل على الرضا بها من قول أو فعل. 2- للمحكمة أن تستعين بأهل الخبرة في معرفة العلة وتقديرها“، وهذه المادة تُعطي للزوجة الحق في طلب فسخ نكاحها من الزوج متى كان به علة أو عيب، ونتناول شروط وضوابط هذا السبب للفسخ، فيما يلي:
1- وجود علة في الزوج: العلة هي أي عيب أو مرض يمنع استقرار الحياة الزوجية أو يُعيق أداء الحقوق والواجبات بين الزوجين، وتشمل العلل التي يمكن أن تسبب الفسخ الأمراض المزمنة أو الأمراض المعدية التي تُشكّل خطرًا على الزوجة أو تؤثر على القدرة على المعاشرة الزوجية، ويمكن أن تكون العلة جسدية، مثل العجز الجنسي، أو نفسية، مثل الأمراض العقلية الخطيرة.
2- أن تكون العلة مُضرةً أو منفرة: يشترط أن تكون العلة من النوع الذي يتسبب في ضرر فعلي للزوجة أو يؤدي إلى نفورها بشكل يجعل من المعاشرة الزوجية أمرًا مستحيلاً أو صعبًا.
3- شرط عدم علم الزوجة بالعلة عند عقد النكاح: لا يحق للزوجة طلب الفسخ إذا كانت على علم بوجود العلة أو العيب بالزوج عند إبرام عقد الزواج.
4- انتفاء رضا الزوجة بالعلة: في حال علمت الزوجة بالعلة بعد إبرام عقد النكاح، ولكنها أظهرت رضاها من خلال قول أو فعل يدل على تقبلها لهذه العلة، فإنها تفقد حقها في طلب الفسخ، علمًا بأن الرضا قد يظهر من خلال موافقة الزوجة على استمرار العلاقة الزوجية بعد علمها بالعيب دون أي اعتراض أو طلب للفسخ، ولكن إذا كانت الزوجة ترفض العيش مع العلة وتقدمت بطلب الفسخ فور علمها بها، فإنها تحافظ على حقها في الفسخ بناءً على هذا السبب.
5- الاستعانة بالخبرة من قبل المحكمة: لقد أعطى النظام للمحكمة صلاحية الاستعانة بأهل الخبرة من الأطباء أو المختصين لتقييم العلة وتحديد مدى تأثيرها على الحياة الزوجية، وعليه؛ فقد يقوم القاضي بإحالة الزوج إلى جهة خبرة طبية؛ للاستيثاق من مدى صحة العلة أو العيب المُدعى به من الزوجة، وتقييم من جسامة العيب وتأثيره على الزوجة والحياة الزوجية عمومًا.
وفي ختام مقالنا عن اسباب فسخ عقد النكاح من قبل الزوجة، دائمًا ما يثور التساؤل عن: متى يكون الفسخ بعوض، ومتى يكون بغير عوض، وما المقصود أصلًا من كلمة “العوض“.
جميع هذه الأسئلة نُجيب عنها بالتفصيل في مقالنا التالي/ متى يحق للقاضي فسخ عقد الزواج بدون عوض
موضوعات ذات صلة: