النص الأصلي للتعميم
قرار رقم (45/م) وتاريخ 08-05-1442هـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الهيئة العامة للمحكمة العليا بناء على الصلاحيات الممنوحة لها بموجب نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/78) وتاريخ 19-09-1428 هـ، وبعد الاطلاع على الأمر الملكي رقم 15700 وتاريخ 20-03-1442 هـ الموجه لرئيس هذه المحكمة، ونصه بعد المقدمة: ( اطلعنا على برقية سمو الأمين العام المجلس الوزراء رقم 2430 في 09-03-1442 هـ المشار فيها إلى محضر اللجنة العليا التنسيقية لمعالجة تحديات الأزمات رقم (42/6/ع) في 11-02-1442 هـ المتضمن رأي اللجنة مناسبة ما انتهى إليه المجتمعون في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء بالمحضر رقم (37) في 21-01-1442 هـ المتضمن الآتي:
(أولاً):
قيام الهيئة العامة للمحكمة العليا بالنظر في إقرار مبادئ قضائية في شأن الجوانب ذات الصلة بجائحة (فيروس كورونا)، وأثر القوة القاهرة والظروف الطارئة على الالتزامات والعقود التي تأثرت بها، وكيفية تقدير تلك الآثار، وإيضاح حدود سلطة المحكمة في تعديل تلك الالتزامات والعقود).
وبعد الدراسة والتأمل والاطلاع على الأوامر الكريمة المتعلقة بهذا الشأن، والقرارات الوزارية المعالجة الاثار الجائحة والأنظمة ذات الصلة و لما قرره فقهاء الشريعة في مسألة الجوائح مستندين على نصوص الوحي، وبما أن الشريعة الإسلامية صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان وحال، وبما أن المبادئ القضائية تحقق الاستقرار وتوحد الاجتهاد القضائي، وتضبط السلطة التقديرية، ولما فيها من تمكين طرفي العقد من معرفة الحكم الشرعي وتحقيقاً لاستقرار الأوضاع والمراكز النظامية، ولإحقاق العدالة ودفعاً للضرر وتحقيقاً للغاية من استمرار العقود بالمحافظة على توازنها بين الطرفين، ومراعاة للمصلحة العامة والخاصة، ولذلك كله قررت الهيئة العامة للمحكمة العليا ما يلي:
أولاً: تعد جائحة فيروس كورونا من الظروف الطارئة إذا لم يمكن تنفيذ الالتزام أو العقد إلا بخسارة غير معتادة، ومن القوة القاهرة إذا أصبح التنفيذ مستحيلاً، ويشترط لتطبيق المبدأ على العقود والالتزامات المتأثرة الشروط الآتية:
1- أن يكون مبرما قبل بدء الإجراءات الاحترازية للجائحة، ويستمر تنفيذه بعد وقوعها.
2- أن يكون أثر الجائحة مباشراً على العقد ولا يمكن تلافيه.
3- أن يستقل أثر الجائحة الواقع على العقد دون مشاركة سبب آخر.
4- ألا يكون المتضرر قد تنازل عن حقه أو اصطلح بشأنه.
5- ألا تكون آثار الجائحة وضررها معالجاً بنظام خاص، أو بقرار من الجهة المختصة.
ثانياً: تتولى المحكمة – بناء على طلب مدعي الضرر وبعد الموازنة بين الطرفين والنظر في الظروف المحيطة – تعديل الالتزام التعاقدي الذي طرأت عليه الجائحة، بما يحقق العدل، وذلك على النحو الآتي:
أ- تطبق في عقود أجرة العقار والمنقول التي تأثرت بالجائحة، الأحكام الآتية:
1- إذا تعذر على المستأجر بسبب الجائحة الانتفاع بالعين المؤجرة كلياً أو جزئياً، فتنقص المحكمة من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة المقصودة المعتادة.
2- لا يثبت للمؤجر حق فسخ العقد إذا كان تأخر المستأجر عن دفع أجرة الفترة التي تعذر الانتفاع فيها كلياً أو جزئياً بسبب الجائحة.
ب- تطبق في عقود المقاولات والتوريد ونحوهما، التي تأثرت بالجائحة، الأحكام الآتية:
1- إذا كان تأثير الجائحة في ارتفاع قيمة المواد أو أجور الأيدي العاملة أو التشغيل ونحوها؛ فتزيد المحكمة قيمة العقد، على أن يتحمل الملتزم من تلك الزيادة إلى حد الارتفاع المعتاد، ثم يُرد ما زاد على ذلك للحد المعقول، وللملتزم له عند زيادة الالتزام عليه حق طلب فسخ العقد. أما في حال كان ارتفاع سعر المواد ارتفاعاً مؤقتاً يوشك أن يزول؛ فتوقف المحكمة تنفيذ الالتزام مدة مؤقتة.
2- إذا كان تأثير الجائحة في قلة السلع من السوق، فتنقص المحكمة الكمية بالقدر الذي تراه كافياً الرفع الضرر غير المعتاد عن الملتزم.
3- إذا كان تأثير الجائحة في انعدام المواد من السوق مؤقتاً : فتوقف المحكمة الالتزام مدة مؤقتة، إذا لم يتضرر الملتزم له تضرراً جسيماً غير معتاد بهذا الوقف فإن تضرر فله طلب الفسخ، أما إن كان انعداما مطلقا وأدى ذلك إلى استحالة تنفيذ الالتزامات العقدية أو بعضها؛ فتفسخ المحكمة . بناء على طلب أحد المتعاقدين . ما استحال تنفيذه منها.
4- إذا كان محل عقد المقاولة التزاماً بأداء عمل وتسببت الجائحة في تعذر تنفيذه في الوقت المحدد؛ فتوقف المحكمة تنفيذ الالتزام مدة مؤقتة، فإن تضرر الملتزم له تضرراً جسيماً غير معتاد بهذا الوقف فله طلب الفسخ.
ثالثاً: يراعى عند تقدير آثار الجائحة الآتي:
1- مدى تأثر العقد بحسب النشاط، وتحديد نسبة التأثر إن وجد وزمنه، والتحقق من كونها نسبة جسيمة غير معتادة، على أن يكون النظر محصوراً في العقد محل النزاع، وألا يتجاوز تقدير الضرر المدة التي ظهر فيها أثر الجائحة على العقد، ويكون التقدير من خبير مختص أو أكثر.
2- في عقود الأجرة تُقدر قيمة المنفعة إذا كانت متساوية في المدة، فيُنقص من الأجرة بقدر مدة تعتر الاستيفاء، وإذا كانت مختلفة بحسب المواسم فيقسط الأجر المسعى على حسب قيمة المنفعة، فيُنقص من الأجرة ما وافق مدة تعثر الاستيفاء، ووفقا لما يحدده الخبير.
رابعاً: مع مراعاة الأحكام السابقة تتقيد المحكمة عند نظرها في الدعاوى الناشئة عن العقود والالتزامات المتأثرة بالجائحة بالآتي:
1- لا يطبق الشرط الجزائي أو الغرامات كلياً أو جزئياً بحسب الحال، أو سحب المشروع والتنفيذ على الحساب الواردة في العقود والالتزامات متى كانت جائحة (فيروس كورونا) هي سبب تأخير تنفيذ الالتزام.
2- إذا تضمن العقد شرط إعفاء عن المسؤولية لأحد طرفي العقد عند حدوث الظرف الطارئ أو القوة القاهرة فلا أثر لذلك الشرط.
3- يكون على الطرف الذي أخل بالالتزام عبء إثبات تسبب الجائحة في ذلك.
4- يطبق على الالتزامات والعقود التي وقع عليها الضرر وهي غير مشمولة بأحكام هذا المبدأ أصول التقاضي المعتبرة شرعاً ونظاماً.
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(الهيئة العامة للمحكمة العليا)
تحليل للتعميم وشرح له
القرار رقم (45/م) وتاريخ 08-05-1442هـ الصادر عن الهيئة العامة للمحكمة العليا في المملكة العربية السعودية يمثل ردة فعل قضائية على التحديات القانونية التي أفرزتها جائحة فيروس كورونا، وخصوصًا في ما يتعلق بالعقود والالتزامات المدنية المتأثرة بالظروف الطارئة أو القوة القاهرة التي فرضتها الجائحة. هذا التعميم له عدة أبعاد يجب تحليلها بشكل معمق من النواحي الفقهية، القانونية، والعملية.
1- الإطار القانوني والشرعي: الهيئة العامة للمحكمة العليا استندت إلى النظام القضائي السعودي المستمد من الشريعة الإسلامية، والقائم على المبادئ المستقرة مثل دفع الضرر وتحقيق العدالة بين الأطراف. كما يعكس هذا القرار تفاعل النظام القضائي مع التحديات المستجدة في ضوء جائحة عالمية أثرت على الالتزامات التعاقدية. استناداً إلى فقه الجوائح في الشريعة الإسلامية، يُنظر للجائحة كحالة طارئة أو قوة قاهرة، الأمر الذي يعزز مرونة الشريعة وقابليتها للتكيف مع الظروف الحديثة.
2- تصنيف الجائحة: ظرف طارئ وقوة قاهرة: القرار يميز بين “الظرف الطارئ” و”القوة القاهرة”.
- الجائحة تعتبر “ظرفًا طارئًا” إذا كان التنفيذ ممكنًا ولكن مع خسارة غير معتادة، مثل زيادة كلفة المواد أو الأيدي العاملة.
- تعتبر “قوة قاهرة” عندما يصبح التنفيذ مستحيلاً، سواء بسبب إغلاق تام أو فقدان المواد الأساسية اللازمة لتنفيذ الالتزام.
هذا التفريق مهم، لأنه يحدد مدى تدخل المحكمة ونوع الحلول التي قد تقدمها.
3- شروط تطبيق القرار: يضع القرار خمسة شروط لتطبيق المبادئ القضائية على العقود المتأثرة بالجائحة. هذه الشروط تضمن أن الجائحة هي السبب المباشر الذي أدى إلى التأثير على العقد، وأن هذا التأثير لم يكن ناتجاً عن سبب آخر غير الجائحة. كما يتطلب عدم وجود تنازل مسبق عن الحقوق المتأثرة أو معالجة الوضع في نظام خاص أو قرارات حكومية أخرى.
4- التعديلات على الالتزامات: يتناول التعميم كيفية تعديل العقود المتأثرة بالجائحة. القرار يعطي المحاكم سلطة تعديل الالتزامات التعاقدية بما يحقق العدالة. على سبيل المثال:
- في عقود الإيجار، يمكن للمحكمة تخفيض الأجرة إذا تعذر الانتفاع بالمأجور كليًا أو جزئيًا بسبب الجائحة.
- في عقود المقاولات والتوريد، تُعدل الالتزامات بحسب ارتفاع تكاليف المواد أو الأيدي العاملة، أو يتم إيقاف التنفيذ مؤقتًا إذا كان الارتفاع مؤقتًا.
هذه الأحكام تهدف إلى تحقيق توازن بين مصلحة الطرفين، بحيث لا يتحمل أحدهما عبء الظروف الطارئة بشكل غير عادل.
5- معالجة الضرر والآثار الاقتصادية: القرار يتطلب تقييم الأضرار الاقتصادية من خلال خبراء مختصين لتحديد مدى تأثر العقد بالجائحة. هنا، تكمن أهمية البعد الفني في القرارات القضائية؛ إذ يعتمد القرار على تقديرات دقيقة لتحديد الضرر ونسبة التأثر، وليس على تخمينات أو تقديرات جزافية.
6- عدم تطبيق الشرط الجزائي والغرامات: القرار يمنع تطبيق الشرط الجزائي والغرامات أو سحب المشروع في حال كانت جائحة كورونا هي السبب في تأخير التنفيذ. هذا الجانب يعكس مرونة في التعامل مع الآثار السلبية للجائحة، ويهدف إلى حماية الأطراف المتضررة من تداعيات خارج إرادتهم.
7- عبء الإثبات: القرار يلقي عبء إثبات تأثير الجائحة على الطرف الذي أخفق في تنفيذ التزاماته. هذا يضيف بعدًا قانونيًا مهمًا، حيث لا يمكن لأي طرف ادعاء التأثر بالجائحة دون تقديم إثباتات قوية ومدعمة.
8- العقود غير المشمولة: العقود التي لا تشملها هذه المبادئ تخضع للقواعد العامة للتقاضي، سواء الشرعية أو النظامية، مما يضمن استمرار العمل بالنظام القضائي المتبع وعدم تعطيل سير القضايا العادية.