الكثير ممن يواجهون تهمة التزوير أو صدر ضدهم حكم، يتساءلون: هل يمكن أن تسقط هذه الجريمة مع مرور الوقت؟ وهل لتنازل الطرف المتضرر أي تأثير؟ الإجابة تكمن في فهم دقيق لما نص عليه النظام في المملكة.
في هذا الدليل، سنقدم إجابات واضحة ومباشرة من واقع الأنظمة والأحكام القضائية السعودية حول الأسباب التي تؤدي إلى انقضاء الدعوى في جريمة التزوير.
إن فهم كيفية سقوط الجريمة جزء أساسي من الدفاع، تمامًا مثل فهم [أسباب البراءة في قضايا التزوير] التي قد تنهي القضية من بدايتها، فبينما يحدد النظام [عقوبات صارمة لجريمة التزوير]، فإنه يحدد أيضًا حالات معينة تنقضي بها الدعوى.
سقوط الدعوى بالتقادم: قاعدة العشر سنوات
من أهم أسباب انقضاء الدعوى الجزائية هو “التقادم“، وهو مرور مدة زمنية محددة يمنع بعدها النظام من الاستمرار في ملاحقة المتهم، وفي جرائم التزوير، وضع المنظم قاعدة واضحة لهذا الأمر.
حيث نصت المادة السابعة والعشرون من النظام الجزائي لجرائم التزوير على:
“فيما عدا الجرائم المنصوص عليها في المادتين (الثالثة) و(العاشرة)، تنقضي الدعوى الجزائية في الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام بعد مضي عشر سنوات تبدأ من اليوم التالي لوقوع الجريمة“.
ماذا يعني هذا النص لك؟
1- القاعدة العامة: معظم جرائم التزوير (مثل تزوير المحررات الرسمية العادية، والعرفية، والتقارير الطبية) تسقط بالتقادم بعد مرور (10) سنوات من تاريخ ارتكابها.
2- الاستثناء الخطير: هناك نوعان من التزوير لا يسقطان بالتقادم أبدًا، وهما:
- تزوير خاتم الدولة أو الملك أو ولي العهد (الجريمة المذكورة في المادة الثالثة).
- تزوير محرر منسوب للملك أو ولي العهد (الجريمة المذكورة في المادة العاشرة).
وهذا يوضح مدى خطورة هذه الأفعال وحرص النظام على عدم إفلات مرتكبيها من العقاب مهما طال الزمن.
مثال قضائي أول: (الحكم رقم 58/د/ج/1 لعام 1435هـ)
التقادم ليس مجرد نص نظري، بل هو سبب حقيقي لإنهاء قضايا التزوير في المحاكم، ففي قضية نظرتها المحاكم الجزائية بالمملكة، اتُهم شخص بالمساهمة في التزوير في سجلات الأحوال المدنية بادعائه اسمًا غير اسمه الحقيقي.
عندما عُرضت القضية على المحكمة، ورغم وجود أدلة اتهام، فإن المحكمة لم تناقش موضوع الإدانة أو البراءة، بل استندت مباشرة إلى المادة (27) من نظام التزوير، وبما أن الجريمة وقعت قبل أكثر من عشر سنوات، فقد حكمت المحكمة بانقضاء الدعوى الجزائية لمضي المدة [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]
مثال قضائي ثانٍ (لمقيم): (الحكم رقم 1145/10/ق لعام 1437هـ)
ينطبق مبدأ التقادم على الجميع مواطنين ومقيمين، ففي قضية أخرى، اتُهم مقيم بالاشتراك في تزوير محررات رسمية عبر إدلائه باسم غير اسمه الحقيقي عند دخوله المملكة، واستمر في تجديد إقامته بهذا الاسم حتى قُبض عليه في قضية أخرى عام 1436هـ.
ورغم اعترافه، إلا أن المحكمة وجدت أن تاريخ بداية ارتكاب الجريمة (دخوله المملكة بالاسم غير الصحيح) كان قبل أكثر من (10) سنوات من تاريخ إقامة الدعوى. وبناءً عليه؛ طبقت المحكمة المادة (27) مرة أخرى وحكمت بانقضاء الدعوى الجزائية بالتقادم، وهذا يؤكد أن العبرة بتاريخ وقوع الجريمة، وليس بتاريخ اكتشافها. [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]
هل تنازل المجني عليه يُسقط قضية التزوير؟
هذا من أكثر الأسئلة شيوعًا، لنفترض أنك زورت مستندًا يخص شركة ما، ثم سامحتك الشركة وتنازلت عن حقها بمقابل أو بدون، هل تنتهي القضية؟ الإجابة الدقيقة نجدها في نظام الإجراءات الجزائية.
المادة الثالثة والعشرون من نظام الإجراءات الجزائية توضح الأمر بدقة:
“تنقضي الدعوى الجزائية الخاصة في إحدى الحالتين الآتيتين: 1- صدور حكم نهائي. 2- عفو المجني عليه أو وارثه. ولا يمنع عفو المجني عليه أو وارثه من الاستمرار في دعوى الحق العام“.
ماذا يعني هذا النص لك؟
1- التنازل لا ينهي القضية: جريمة التزوير لها شقان: “حق خاص” (حق المتضرر)، و”حق عام” (حق المجتمع والدولة)، وتنازل المجني عليه يُسقط الحق الخاص فقط، أي مطالبته بالتعويض.
2- الحق العام يبقى قائمًا: لأن التزوير يعتبر اعتداءً على ثقة ومصداقية المحررات في المجتمع، فإن دعوى الحق العام تستمر، ولا يملك المجني عليه سلطة لإنهائها.
3- الأثر الإيجابي للتنازل: على الرغم من أن التنازل لا ينهي القضية، إلا أنه يعتبر سببًا قضائيًا مهمًا جدًا يدفع القاضي إلى تخفيف العقوبة بشكل كبير عند الحكم في الحق العام. ويتم إبراز هذا التنازل والاستناد إليه كأحد أهم أسباب طلب التخفيف ضمن [مذكرة الدفاع التي تقدم للمحكمة].
العفو والإعفاء من العقوبة: حالات خاصة جدًا
إلى جانب التقادم، هناك حالات أخرى قد تؤدي إلى سقوط العقوبة، وهي تتعلق بالعفو أو مبادرة الجاني نفسه.
أولًا: العفو الملكي (عفو ولي الأمر)
وفقًا للمادة الثانية والعشرين من نظام الإجراءات الجزائية، فإن “عفو ولي الأمر” هو أحد أسباب انقضاء الدعوى الجزائية العامة.
توضيح: غالبًا ما تُستبعد جرائم التزوير من قواعد العفو التي تصدر، أو توضع لها شروط مشددة جدًا، نظرًا لخطورتها. لذا، لا يمكن الاعتماد على هذا السبب بشكل دائم، ويعتمد الأمر على كل أمر عفو يصدر بشكل مستقل.
ثانيًا: الإعفاء بسبب الإبلاغ والتعاون (فرصة من النظام)
منح النظام الجزائي لجرائم التزوير فرصة ثمينة للجاني للإعفاء من العقوبة بالكامل في حالتين محددتين نصت عليهما المادة الخامسة والعشرون:
“تحكم المحكمة المختصة بالإعفاء من عقوبة جرائم التزوير… لكل من بادر من الجناة بالإبلاغ عن جريمته قبل اكتشافها واستعمال المزوّر. وللمحكمة المختصة إعفاء الجاني من العقوبة بعد اكتشاف الجريمة إذا أرشد عن باقي الجناة وسهّل القبض عليهم“.
ماذا يعني هذا النص لك؟
1- الإبلاغ قبل الكشف (إعفاء مؤكد): إذا قمت بالإبلاغ عن جريمة التزوير التي ارتكبتها للسلطات، قبل أن يعرفوا عنها وقبل أن يتم استخدام الورقة المزورة، فإن النظام يعفيك من العقوبة.
2- التعاون بعد الكشف (إعفاء محتمل): إذا تم اكتشاف الجريمة، فلا يزال أمامك فرصة، فإذا أرشدت عن شركائك وساهمت في القبض عليهم، فللمحكمة السلطة في أن تعفيك من العقوبة.
ومن المهم معرفة أن النظام يعاقب الشريك بنفس عقوبة الفاعل الأصلي، ويمكنك قراءة المزيد عن [مسؤولية الشريك في جرائم التزوير] لفهم هذا الجانب بشكل أعمق.
إذا لم تسقط قضيتك، فما هي خطة دفاعك؟
التقادم والتنازل هما أحد مسارات الدفاع، ولكن إذا لم ينطبقا على قضيتك، فمن الضروري أن تكون على دراية كاملة بجميع خياراتك الدفاعية الأخرى:
1. ما هي نقاط الضعف في الاتهام؟ استكشف الدفوع النظامية والسوابق القضائية التي أدت للبراءة في دليلنا الرئيسي: [أسباب البراءة في قضايا التزوير بالسعودية].
2. كيف تقدم دفاعك للمحكمة؟ تعلم الخطوات الإجرائية والدفوع الأساسية في دليلنا عن [كيفية كتابة مذكرة دفاع قوية في قضايا التزوير].
وأخيرًا، كما رأينا، فإن النظام السعودي يضع طرقًا واضحة لانقضاء الدعوى في جرائم التزوير، سواء بمرور (10) سنوات في معظم الحالات، أو من خلال حالات العفو والإعفاء الخاصة.
من المهم أن نتذكر دائمًا:
- أخطر جرائم التزوير (المنسوبة للملك أو ولي العهد) لا تسقط بالتقادم.
- تنازل المجني عليه يخفف العقوبة ولكنه لا ينهي القضية.
- التعاون المبكر مع السلطات قد يكون سببًا للإعفاء الكامل من العقوبة.
إن هذه المسائل النظامية دقيقة جدًا، وحساب مدد التقادم أو تقييم أثر التنازل يتطلب خبرة محامٍ متخصص.
إذا كانت لديك قضية تزوير وترغب في معرفة موقفك النظامي بدقة فيما يتعلق بالتقادم أو التنازل، تواصل معنا الآن لتحليل قضيتك وتقديم الاستشارة اللازمة.