لم يحدد المُنظِم بالضبط مواعيد زيارة الوالدين للمحضون، بل ترك الأمر لتراضيهما، وأما إذا ما اختلفَا وأثارا هذه المسألة في ساحة التقاضي؛ فإن المحكمة تستعين بهيئة تحكيم لتنظيمها وتقرير ما هو أصلَح للمحضون، وهذه الهيئة تكون من قسم الخبراء في محكمة الأحوال الشخصية.
لذلك؛ فإن تعيين مدة زيارة الأطفال بعد الطلاق ستخضع للواقع العملي، ولما استقر عليه العمل القضائي أمام المحاكم، وهذا ما نبينه:
أولًا: مدة زيارة الأطفال بعد الطلاق
في أغلَب الأحوال -ما لم تقتضِ مصلحة الطفل خلاف ذلك- فقد استقرَّ العرف القضائي على تحديد مواقيت زيارة على أساس المرحلة العمرية والاحتياجات التي تتطلبها؛ ويُمكِن تقسيم المراحل العمرية للمحضونين على النحو التالي:
1- مرحلة الرَّضَاع: فأقل ما تكون عليه الزيارة ساعة واحدة أسبوعيًّا (غالبًا يوم الجمعة أو السبت)، وذلك لحاجة الرضيع إلى الرضاعة والرعاية ونحو ذلك.
2- من (3) سنوات حتى (7) سنوات: فيتراوح الحد الأدنى للزيارة من ساعتين إلى أربع ساعات أسبوعيًّا (غالبًا يوم الجمعة أو السبت)
3- من (7) سنوات حتى (15) سنة: فيتراوح الحد الأدنى من يوم إلى يومين (في الغالب يحكم القاضي بمبيت المحضون مع طالب الزيارة).
مع الأخذ في الاعتبار أن كل ذلك يرجِع إلى تقدير قسم الخبراء، وإلى حُكم القاضي، وإنما أوردْنا أغلَب ما تصدُر به أحكام الزيارة، وذلك من واقع تمرُّسنا وخبرتنا وما تولَّيْناه من قضايا كثيرة في هذا الشأن.
اقرأ عن/ مكان زيارة المحضون وتغييره
مبيت المحضون عند والده
إن أوقات الزيارة التي يقضي بها القاضي غالبًا ما تكون مُجرَّدةً من اقترانها بالمبيت، باستثناء الحالة الأخيرة التي بيناه وهي التي يكون فيها عُمر الطفل أكبر من (7) سنوات، فهنا يعتبره القاضي مميزًا ومدركًا وقادرًا على الاستغناء عن أمه، ومن ثَم؛ يُقرر حق الأب في المبيت مع أطفاله بمواعيد الزيارة.
هذا.. وإنه لتجدر الإشارة إلى أن هذا السن ليس من المُسلمات؛ ففي بعض القضايا الأخرى تمكنا من الحصول على مواعيد للزيارة تسمح لوالد الطفل بالمبيت معه، وهذا يعتمد على سرد الاعتبارات والأمور التي من شأنها أن تُبين للقاضي أن الطفل قادر على الاستغناء عن أمه، وأن في مبيته مع والده منفعة ومصلحة محققة.
أحصل على/ صيغة دعوى زيارة الأبناء
ثانيًا: زيارة المحضون في الإجازات
لا يقتصر حق طالب الزيارة سواء كان الأب أو الأم على الزيارة الأسبوعية، بل يمكن طلب الزيارة في الإجازات وهنا لن يقتصر الأمر على عدد ساعات محددة أسبوعيًا، فعند التطرُّق للحديث عن الزيارة في الإجازات؛ فإن ذلك يشمل جميع أنواع الإجازات؛ بمعنى أن المقصود ههنا إجازة عيدَي الفِطر والأضحى، وإجازة الدراسة الصيفية.
ولرُبما اتفَقَ الوالدان بالتراضي على ترتيبات الزيارة في الإجازات، من ضمن ما يتراضيان عليه دون الحاجة إلى القضاء، ولكن عند إقامة دعوى زيارة ونظرها بين يدَي المحكمة؛ فإن القاضي ينُص في منطوق حكمه على عدد ساعات الزيارة، وعلى الأيام التي تكون فيه هذه الزيارة من كل أسبوع، وعلى الزيارة في العيدَين -ويُراعي فيها القاضي التجمُّعات العائلية والمراسم الاجتماعية-، وعلى الزيارة عند حُصول الطفل على الإجازة الصيفية السنوية من الدراسة.
علمًا بأن الزيارة في الإجازات تكون أطول في العادة من المواعيد المقررة بالزيارة الأسبوعية، ففي إجازة الدراسية قد يحدد زيارة أسبوع، وفي العيد يقرر أيام العيد الأولى لطالب الزيارة أو العكس.
منطوق حكم صادر في دعوى زيارة
فقد قررت الدائرة ما يلي: أولًا/ إلزام [المدعية/المدعى عليه] بتمكين [المدعى عليه/المدعية] من زيارة [ابنه/ابنته/أبنائه] مرتين كل أسبوع، في يومَي الجمعة والسبت، من الساعة الخامسة مساءً إلى الساعة التاسعة مساءً في كل مرةٍ منهما، وتستمر هذه الزيارة في الإجازات. ثانيًا/ إلزام …. بأن بتمكين … من زيارة … في عيد الفِطر لعام 1446هـ من الساعة الرابعة مساءً إلى الساعة التاسعة مساءً من ذات اليوم في ثاني أيام عيد الفِطر، وفي السنة التي تليها -1447هـ- تكون الزيارة من الساعة الرابعة مساءً إلى الساعة التاسعة مساءً من ذات اليوم في ثالث أيام عيد الفِطر، وهكذا دوالَيك في باقي السنين. ثالثًا/ إلزام … بتمكين … من زيارة … في عيد الأضحى لعام 1446هـ في يوم الثاني عشر من ذي الحجة من الساعة الرابعة مساءً إلى الساعة التاسعة مساءً من ذات اليوم، وفي السنة التي تليها -1447هـ- تكون الزيارة من في يوم الحادي عشر من ذي الحجة من الساعة الرابعة مساءً إلى الساعة التاسعة مساءً، وهكذا دوالَيك في باقي السنين. رابعًا/ تكون بلد الزيارة في محافظة جدة. وبذلك كله حكمَت الدائرة حكمًا مشمولًا بالنفاذ المُعجَّل من غير كفالة.
اقرأ عن عقوبة/ الامتناع عن تنفيذ حكم الزيارة
رابعًا: الدفوع بدعوى إنقاص مدة زيارة الأب
هناك بعض الأمهات يُرِدْنَ تقليل ساعات وأيام الزيارة من غير مُسوِّغ شرعي ولا نظامي، بل ربما أقمْنَ دعوى الزيارة كَيدًا ليس إلا! ولكن.. إذا ما أقيمَت دعوى زيارة صد الأب؛ فإننا ننصح باتِّباع الآتي:
1- التمسُّك بمصلحة المحضون: عليك أن تؤكِّد على أن مصلحة المحضون في حاجته إلى التشبُّع من احتضان أبيه له، ومن بقائه تحت كنفه بشكل دائم ودوري، حيث يُناصِح الأب ويُوجِّه، ويعطف ويحنو، ويُعلِّم ويُربِّي، ويبُثُّ عوامل المروءة في التربية؛ فينشأ الطفل سويًّا على سبيل قَويم، لا ينساق خلف الخطأ والغواية -بعصمة الله، ثم بإرشاد الوالد-، ويتَّجِه إلى ما فيه الخير والصلاح عادةً. ولك أن تعلَم أن الدفع بمصلحة المحضون دَفْع ذو وَجهَين، بحيث يُمكِن لكِلا الوالدَين استخدامه والدفع به؛ إذ هو الأساس في أي شأن يتعلَّق بالطفل، ولكن يتوقف الأمر على إبراز الحق في هذا الدفع، وإحسان بيانه، وتعضيده بالأدلة والبراهين.
2- تصرفات الوالد في الزيارة: ينبغي أن يُشار إلى إكرامك للأولاد عند الزيارة، واتخاذك كل سبيل من شأنه إسعادهم، من الإطعام والمُلاعبة والتودُّد واصطحابهم إلى زيارة أرحامهم، وما إلى ذلك من التصرفات التي تصُبُّ في مصلحة المحضون، وتنفي أدنى تقصير أو إهمال أثناء الزيارة.
3- الالتزام بمواعيد الزيارة: يجِبُ أن يُشار إلى التزامك بمواعيد الزيارة، وأنك التزمتَ بها مدة [المدة] دون أدنى مشكلة أو عائق أو أثر سلبيٍّ أبدًا.
4- أحوال الأم: إن كانَت الأم متزوِّجةً من رجل آخر، وكان الأولاد في حضانتها لسبب ما، أو كانَت الأم تعمَل وتمكُث في الدوام فترةً طويلةً، أو يتطلَّب عملها السفر بشكل دائم؛ فينبغي بيان ذلك، وأن الأم لا تقوى بمفردها على تحمُّل أعباء التربية، ولا تنشئة الأولاد على الطريق السويَّة، بل لا بد من دَعم ومُساندة، وهذا يتحقَّق بالإبقاء على الزيارة باعتباراتها قبل المنازعة، بل ربما طلبتَ زيادتها أو ضَم المَبيت إليها لأجل انشغال الأم.
وغير ذلك من الدفوع المؤثرة التي تتوجَّه بها المحكمة بإذن الله إلى رد الدعوى والإبقاء على الزيارة باعتباراتها قبل إقامة الدعوى.