غرامة فسخ عقد الإيجار من قبل المستأجر (1447هـ)

غرامة فسخ عقد الإيجار من قبل المستأجر

فهرس محتويات المقال

يمكنك النقر على أي عنوان بجدول المحتويات أدناه؛ للانتقال إليه مباشرةً 

المستأجر واجهته ظروف شخصية أو عوامل خارجية اضطرته لترك العقار الذي استأجره، وعليه؛ سلَّم المفتاح إلى المؤجر أو إلى أحد وكلائه، أو حتى أرسله خطاب بأنه سيترك العقار، معتقدًا بذلك أنه قد أنهى التزامه تجاه المؤجر وأنه تحلل من إلزامية عقد الإيجار.

فهل هذا التصرف صحيح؟ وهل فعلًا يعفي المستأجر من سداد باقي الأجرة المتبقية من العقد؟ الإجابة قولًا واحدًا لا، بل إن عقد الإيجار سيظل ساريًا، والتزام المستأجر بسداد الأجرة سيظل واقعًا على عاتقه.

فما أساس ذلك؟ وما الحلول النظامية المتاحة للمستأجر والمؤجر في هذا الشأن، وهل فعلًا يمكن إلزام المستأجر بدفع غرامة مقابل فسخ العقد؟ كل هذا ما نجيب عنه في مقالنا.

أولًا: الطبيعة النظامية لعقد الإيجار:

إن عقد الإيجار يعتبر من العقود المُلزمة للجانبين، وهذا يعني أنه طالما نشأ عقد الإيجار بين الطرفين صحيحًا ومستكملًا أركان صحته؛ فيكون كل من المستأجر والمؤجر ملتزمين به، ولا يملك أحد منهما التحلل من إلزامية العقد دون سبب مشروع، وهذا ما قررته المادة (94) من نظام المعاملات المدنية، بما نصه: “1- إذا تم العقد صحيحًا لم يجز نقضه أو تعديله إلا بالاتفاق أو بمقتضى نص نظامي“.

فمن جانب المؤجر فهو لا يملك سحب العقار من المستأجر وتأجيره على غيره طالما أن مدة الإيجار لا زالت سارية، وكذلك من جانب المستأجر فهو لا يملك إنهاء عقد الإيجار بإرادته المنفردة وترك العقار دون موافقة المؤجر نفسه، طالما أن مدة الإيجار لم تنتهِ.

وبطبيعة الحال هنا سيثور السؤال في ذهن المستأجر: كيف أظل مقيدًا بعقد الإيجار لكامل مدته إذا ما طرأت لدي ظروف، وكيف يُعقَل أن أُسدد أجرة عن عقار لا انتفع به؟! دعنا نجيبك…

ثانيًا: الأجرة مقابل التمكين من المنفعة لا الانتفاع:

إذ يعتقد الكثيرون أن الأجرة التي يسددها المستأجر هي مقابل منفعته بالعقار، وهذا مفهوم مغلوط؛ لأن الأجرة تُسدد مقابل “التمكين من الانتفاع“، وليس “الانتفاع” بحد ذاته؛ إذ طالما أن المؤجر قام بتمكين المستأجر من العقار محل العقد، ولم يكن هناك أي عائق يمنع المستأجر من الانتفاع بالعقار؛ فهنا يقع على عاتقه الالتزام بسداد الأجرة كاملة دون أي نقص فيها.

ولنطرح مثالًا لتضح الصورة: فإذا تم إبرام عقد إيجار بين الطرفين لمدة سنة، وبالفعل بدأ المستأجر بالانتفاع من العقار، ثم بعد مرور شهرين ترك المستأجر العقار لسبب خاصٍ به، فهنا هو يظل ملتزمًا بسداد الأجرة للمدة المتبقية لـ(10) أشهر حتى ولو لم يمكث في العقار أو لم يستخدمه قط.

حسنًا… إن كان الأمر كذلك فما هي قصة غرامة فسخ عقد الإيجار من قبل المستأجر؟ بمعنى أنه طالما أن المستأجر لا يملك فسخ عقد الإيجار بإرادته المنفردة أصلًا، فكيف يمكن توقيع الغرامة عليه في مقابل فسخه؟ هذا ما نوضحه…

ثالثًا: غرامة فسخ عقد الإيجار من قبل المستأجر:

كما أوضحنا أعلاه أنه لا سبيل للمستأجر بأن يفسخ عقد الإيجار بإرادته المنفردة، ولكن هذا لا يعني عدم قدرة المستأجر لفسخ العقد بصورة مُطلقة، بل إنه توجد سُبُل كثيرة تُمكِن المستأجر من فسخ عقد الإيجار، وجميعها منصوص عليها نظامًا، نذكر منها:

  • حدوث عارض أو حائل من غير المستأجر يمنعه من استيفاء منفعته من العقار.
  • إخلال المؤجر بعدم تسليم المستأجر للعقار أصلًا، أو سحب العقار منه بعد تسليمه له.
  • عدم تسليم المؤجر للمستندات والأوراق المطلوبة لاستخراج التراخيص اللازمة لمزاولة نشاط المستأجر؛ فهنا يكون من حقه الفسخ.
  • غيرها من الصور العديدة المنصوص عليها في الفصل الأول بالباب الثاني من نظام المعاملات المدنية بدايةً من المادة رقم (407) إلى المادة رقم (450).

علمًا بأن كل هذه الصور لا تكفي بذاتها لإلزام المستأجر بسداد غرامة عن الفسخ؛ إذ طالما أن المستأجر يستند في فسخه لعقد الإيجار إلى أحد الحالات المنصوص عليها نظامًا؛ فهذا يعني أنه يفسخ العقد بصورة مشروعة، ولا محل لإلزامه بدفع أي غرامة.

إذن، متى يلتزم بسداد الغرامة؟

إن المستأجر يلتزم بسداد غرامة عن فسخ عقد الإيجار من جانبه في حالتين، هما:

غرامة فسخ عقد الإيجار من قبل المستأجر

1- الحالة الأولى: أن يكون عقد الإيجار ذاته قد تضمن في بنوده اتفاقًا بين المؤجر والمستأجر على إمكانية الفسخ مع التزام المستأجر بسداد غرامة للمؤجر، والصورة الغالبة في هذه الحالة أنه يتم تحديد الغرامة بمبلغ أجرة شهر أو شهرين، علمًا بأن هذا لا يمنع الطرفين من الاتفاق على مبلغ أعلى كغرامة.

2- أما الحالة الثانية: فهي أن يقوم المستأجر بترك العقار دون أي سبب نظامي أو تعاقدي يعطيه هذا الحق، ثم يترتب على ذلك أضرار للمؤجر، فهنا سيكون من حق المؤجر إلزام المستأجر بسداد الأجرة عن باقي مدة العقد كاملة، بالإضافة إلى إلزامه بالغرامة عن الأضرار الواقعة على عاتق المؤجر، مع التنويه إلى ضرورة إثبات المؤجر لوقوع هذه الأضرار حتى يستحق الغرامة، وإلا فلا.

رابعًا: كيف يتم إلزام المستأجر بسداد باقي مدة العقد؟

ليس بمجرد أن يترك المستأجر للعقار أو يرسِل خاطبًا للمؤجر بأنه ترك العقار؛ فنقول باستحقاق المؤجر للأجرة لباقي مدة العقد كاملة حالًا، بل إن الأمر يعتمد على آلية الاتفاق بين الطرفين فيما يخص سداد الأجرة.

فقد تكون شهريًا أو ربع سنوية أو نصف سنوية أو سنوية، وبالتالي؛ العبرة بحلول موعد الاستحقاق للأجرة نفسها، فطالما الموعد قد حلَّ فحينها يكون من حق المؤجر مطالبة المستأجر بالسداد، وإجراءات المطالبة تكون على فرضين:

1- الفرض الأول: إذا كان بين الطرفين عقد إجارة إلكتروني موثق؛ فيقوم المؤجر بتقديم طلب تنفيذ للمطالبة بالأجرة بموجب هذا العقد؛ لكونه سندًا تنفيذيًا بحد ذاته، علمًا بأن هذا لا يخل بحق المستأجر في أن يتقدم بدعوى موضوعية للمطالبة بإثبات عدم استحقاق المؤجر للأجرة لأسباب عديدة مثل عدم الانتفاع.

2- الفرض الثاني: ألا يكون بين الطرفين عقد إلكتروني موثق؛ ففي هذه الحالة لا سبيل للمؤجر إلا اللجوء إلى المحكمة العامة للمطالبة بإلزام المستأجر بسداد الأجرة المستحقة في ذمته، وتجدر الإشارة هنا إلى معلومة غاية في الأهمية، وهي أن هذه الدعاوى لن تُقبَل أمام المحكمة إلا إذا تم تقديم إثبات تسجيل العقد من خلال منصة “إيجار”، فبدونها سيتم الحكم بعدم قبول الدعوى.

الخلاصة: أن عقد الإيجار أصلًا عقد ملزم للجانبين، ولا يملك لا المؤجر ولا المستأجر رفاهية الفسخ من جانب واحد، وإنما يلزم وجود أحد الأسباب المقررة نظامًا والتي تخول أي منهما فسخ العقد، وهذه الأسباب منصوص عليها في نظام المعاملات المدنية، وبذلك إذا قرر المستأجر فسخ عقد الإيجارة من جانب واحد فلن يعتد به، بل سيظل ملتزمًا بسداد الأجرة للمؤجر عن باقي مدة العقد طالما لم يحصل فسخ متوافق مع أحكام النظام، أو لم يصدر حكم قضائي يُقرر فسخ العقد، والسبب هنا أن الأجرة تكون مقابل التمكين من المنفعة وليس شرطًا أن تنتفع انت كمستأجر بها، وأما عن الغرامة فلا وجه لاستحقاقها إلا إذا نُصت عليها في العقد، أو ترتب على ترك المستأجر للعقار ضرر مادي مُحقق للمؤجر.

مقالات قد تهمك:

1- طريقة الاعتراض على الحكم القضائي.

اترك تعليقًا