بمجرد حدوث أي منازعات بين الأب والأم؛ فتبدأ التساؤلات تثور حول مصير الأبناء نفسهم، فأين سيسكنون؟ خاصةً أن الأصل في حضانة الأولاد أنها تكون للأم، ودائمًا ما ترغب في أن تظل جالسة في بيت الزوجية حتى لو حصل فسخ نكاح أو طلاق، وعلى الجانب الآخر الأب ليس عليه أي إجبار بأن يُبقي الأم وأولاده منها في المنزل خاصةً لو كانت الحضانة مُقررة لها، ومن هنا؛ جاءت الأهمية البالغة لتنظيم مسألة نفقة السكن للأبناء.
وفي هذا المقال سنقوم ببيان جميع الأمور والضوابط المتعلقة بهذه المسألة.
أولًا: شروط سكن الحاضنة
طالما كان الأبناء في حضانة والدتهم [الأم] بغض النظر عن سريان العلاقة الزوجية أو انتهاءها؛ فحينها يكون الأب مُلزمًا بسداد أجرة سكن لهم، مع مراعاة الشروط الآتية:
1- الشرط الأول: ألا تكون الأم الحاضنة لديها منزل تستطيع أن تسكن فيه هي والأطفال، سواء كان ذلك المنزل مملوكًا لها، أو مجرد أنه مُخصص لسُكناها دون مقابل، كأن يعطيها والدها شقة في عمارته مثلًا.
2- الشرط الثاني: ألا تكون الأم الحاضنة ساكنةً مع أحد من أهلها، سواء والدها أو أخوها أو أختها أو أي شخص تسكن معه الأم تبعًا له.
3- الشرط الثالث: ألا يكون الأب قد قام بتوفير منزل مناسب لسُكنى الأطفال المحضونين.
وعليه، فإن تحققت تلك الشروط الثلاثة؛ فيكون من حق الأم مطالبة الأب بدفع نفقة سكن لأولاده، هذا مع مراعاة القيد العام الذي يقضي بأن “مصلحة المحضون فوق كل اعتبار“، بحيث تُراعى ظروف الطفل واحتياجاته بما يضمن استقراره ونشأته في بيئة مناسبة، حتى لو استدعى الأمر تجاوز بعض الشروط السابقة تحقيقًا لمصلحته الفضلى.
مثال: إذا كانت الأم الحاضنة تسكن مع والدها في منزل العائلة، لكن هذا السكن غير مناسب للأطفال بسبب ضيق المساحة، أو وجود نزاعات أسرية قد تؤثر سلبًا على استقرارهم النفسي، أو لأي سبب آخر يضر بمصلحتهم، ففي هذه الحالة، يجوز للأم أن تطالب الأب بسداد أجرة سكن مستقل للأطفال، رغم أنها تسكن مع أحد أقاربها، وذلك لأن الهدف الأساسي هو توفير بيئة آمنة ومستقرة للمحضون، وهو ما يُقدَّم على أي اعتبارات أخرى.
عبء الإثبات: يقع على عاتق الأب (المدعى عليه) عبء إثبات عدم تحقق الشرط الأول أو الشرط الثاني، أي أنه هو المُلزم بتقديم الدليل على أن الأم الحاضنة لديها منزل مملوك لها أو مخصص لسُكناها دون مقابل، أو أنها تقيم مع أحد أقاربها في مسكن يُغنيها عن المطالبة بأجرة السكن. وفي حالة عدم قدرته على إثبات ذلك، يُؤخذ بطلب الأم بإلزامه بسداد أجرة سكن للمحضونين تحقيقًا لمصلحتهم.
ومستند ذلك المادة (45) من نظام الأحوال الشخصية: “النفقة حق من حقوق المنفق عليه، وتشمل: …السكن...”، والمادة (19) من لائحة نظام الأحوال الشخصية: “لا يستحق الحاضن نفقة سكن للمحضون إذا كان أي منهما يقيم في سكنٍ مملوك أو مخصص له، أو كان الحاضن يسكن تبعًا لغيره. ويراعى فيما سبق مصلحة المحضون“، والمادة (20) من لائحة نظام الأحوال الشخصية: “ليس للحاضن المطالبة بأجرة السكن إذا هيأ من وجبت عليه النفقة سكنًا مناسبًا للمحضون“.
ثانيًا: نفقة السكن للأبناء
يعتقد الكثير من الأمهات أن الأب مُلزَم بسداد أجرة السكن التي تكون قد تحملتها الأم في إبرام عقد الإجارة، ولكن هذا غير صحيح؛ لأن النفقة، بما فيها أجرة السكن، يتم تحديدها بناءً على الظروف المادية للأب (المُطَالَب بالإنفاق)، وبناءً على حال المُنفق عليه.
فالإجراءات الفعلية في دعاوى نفقة السكن أنه عند رفع دعوى للمطالبة بنفقة السكن، يقوم القاضي بإحالة القضية إلى قسم الخبراء، وهم بدورهم يقومون بتقدير أجرة السكن التي تلائم المحضون والحاضن، وفقًا لظروفه المادية. وبالتالي، فإن قيام الأم بسداد مبلغ معين في عقد الإيجار لا يعني بالضرورة أن الأب مُلزَم بسداد ذات المبلغ، بل يلتزم فقط بالمبلغ الذي يحدده الخبراء وفقًا للمعايير السابقة.
مثال توضيحي: إذا قامت الأم بإبرام عقد إيجار بمبلغ 5000 ريال شهريًا، ولكن الخبراء قدروا أن السكن المناسب للمحضون يمكن توفيره بمبلغ 3000 ريال، فإن الأب يُلزَم بسداد 3000 ريال فقط، وليس كامل المبلغ الذي دفعته الأم، ومستند ذلك المادة (46) من نظام الأحوال الشخصية: “يراعى في تقدير النفقة حال المنفق عليه وسعة المنفِق“.
موضوعات أخرى ذات صلة