الأصل في عقد العمل هو الإلزامية وعدم جواز إنهائه قبل انتهاء مدته أو دون سبب مشروع؛ مما يُحقق الاستقرار في العلاقة العمالية بين طرفي عقد العمل [العامل، وصاحب العمل].
ومع ذلك، قد تتعارض هذه الإلزامية مع حاجة كل من العامل وصاحب العمل لاختبار مدى التوافق بينهما قبل الالتزام والتقيد بعقد طويل الأمد، ومن هنا تبرز أهمية فترة التجربة، التي نظمتها المادة 53 من نظام العمل؛ حيث أتاحت إنهاء العقد بشروط وحدود معينة تضمن حماية حقوق الطرفين.
وفي هذا المقال، سنسلط الضوء على جميع الجوانب المتعلقة بفترة التجربة في المادة 53، بدءً من النص النظامي المنظم لها، مرورًا بالحد الأقصى لهذه الفترة، وشروط تمديدها، ومدى أحقية العامل في إنهاء العقد خلال تلك الفترة، وانتهاءً ببيان حقوق الموظف في فترة التجربة.
فترة التجربة نظام العمل
فترة التجربة في نظام العمل السعودي تُعد مرحلة مهمة لتقييم مدى جدوى العلاقة العمالية بين العامل وصاحب العمل، وذلك قبل الالتزام بعقد عمل محدد المدة أو غير محدد المدة؛ إذ الأصل في أي نوع من هذه العقود هو عدم جواز الإنهاء، إلا لأسباب محددة في نظام العمل.
ولذلك؛ تهدف فترة التجربة إلى تمكين الطرفين من اختبار مدى التوافق مع متطلبات الوظيفة والمهارات المطلوبة فيها، فمن جانب صاحب العمل؛ سيتمكن من قياس قدرات العامل على تلبية النتائج المطلوبة منه في العمل، وتحديد ما إذا كان مفيدًا ونافعًا لمصلحة سير العمل أم لا، وأيضًا من جانب العامل؛ سيتمكن من تجربة بيئة العمل التي سيؤدي فيها عمله، ويُقيم مدى قدرته على التماشي والتوافق مع المهام المُسندة إليه أم لا.
وخلال تلك الفترة إذا أثمرت النتائج بإيجابية بين الطرفين، وكانت الأمور متوافقة بينهما؛ فسيستمر الطرفان في تنفيذ عقد العمل دون أي مشكلات بعد مضي فترة التجربة، أما إذا لم تتفق وجهات النظر أو لم يرقَ العامل للمستوى المطلوب، أو لم يرتاح العامل في بيئة العمل مثلًا؛ فهنا -وبحسب الأصل- سيحق لأي منهما إنهاء العقد دون أي مشكلات، ودون أي التزام تجاه الطرف الآخر، ونؤكد على أن هذا الحق ليس مطلقًا، وإنما له شروط وأحوال سنتحدث عنها بالتفصيل بعد قليل، فتابع القراءة..
المادة 53 من نظام العمل
المادة 53 من نظام العمل السعودي هي الركيزة الأساسية في تقرير أحكام فترة التجربة؛ حيث تضع إطارًا قانونيًا لتنظيم هذه الفترة، فتنص على أنه: “إذا كان العامل خاضعًا لفترة تجربة، وجب النص على ذلك صراحة في عقد العمل، وتحديدها بوضوح، بحيث لا تزيد على تسعين يومًا. ويجوز باتفاق مكتوب بين العامل وصاحب العمل تمديد فترة التجربة، على ألا تزيد على مائة وثمانين يومًا. ولا تدخل في حساب فترة التجربة إجازة عيدي الفطر والأضحى والإجازة المرضية. ولكل من الطرفين الحق في إنهاء العقد خلال هذه الفترة ما لم يتضمن العقد نصّا يعطي الحق في الإنهاء لأحدهما“.
وكما هو واضح أن تلك المادة -بشكل عام- تتحدث عن فترة التجربة بتحديد مدتها المبدئية بحد أقصى يصل إلى 90 يومًا، مع إمكانية تمديدها باتفاق مكتوب بين الطرفين، والمادة تهدف إلى حماية حقوق كل من العامل وصاحب العمل خلال فترة التجربة، مع ضمان عدم احتساب إجازات الأعياد والإجازة المرضية ضمنها، كما تمنح المادة الحق لأي من الطرفين في إنهاء العقد خلال هذه الفترة، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك في العقد.
وفي العناوين أدناه؛ سنتناول شرح كافة الأحكام المنصوص عليها في تلك المادة باستفاضة، مع تفصيل كافٍ ووافٍ إن شاء الله تعالى.
فترة التجربة 180 يوم
إن نظام العمل قد وضع لفترة التجربة حدًا أقصى مُقدَّر بمدة (180) يومًا، وهذا يعني أن كل من صاحب العمل والعامل لا يحق لهما الاتفاق في عقد العمل على أن تكون فترة التجربة أكثر من (180) يومًا، وبالتالي؛ إذا نُص في عقد العمل على فترة تجربة زائدة عن المدة المشار إليها؛ فتكون باطلة ولا يُعتَد بها، وتعتبر فترة التجربة منتهية بمجرد مضي الـ(180) يوم، وإذا ما أنهى أي من الطرفين العقد بعد هذه المدة؛ فسيعتبر إنهاء غير مشروع، ويلتزم الطرف المُنهي بتعويض الطرف الآخر، وفق المادة 77 من نظام العمل.
ومستند ذلك ما نصت عليه المادة 53 من نظام العمل، من أنه: “إذا كان العامل خاضعًا لفترة تجربة، وجب النص على ذلك صراحة في عقد العمل… على ألا تزيد على مائة وثمانين يومًا“.
ولكن توجد معلومة هنا في غاية الأهمية، وهي أن مدة الـ(180) يوم المُحددة لفترة التجربة، لا يصلح الاتفاق عليها كلها دفعةً واحدة عند إبرام العقد، وإنما نص نظام العمل على تقسيمة وترتيبة معينة لهذه الفترة، يلتزم طرفي العقد بها، ولا يملك أي منهما الحيد أو الخروج عنها، وهو ما ينقلنا للحديث عن آلية حساب فترة التجربة.
حساب فترة التجربة
كما ذكرنا أعلاه أن الحد الأقصى لفترة التجربة هو مدة (180) يومًا، ولقد حددت المادة 53 من نظام العمل آلية حساب فترة التجربة، فنصت على أنه: “..فترة تجربة.. وجب.. تحديدها بوضوح، بحيث لا تزيد على تسعين يومًا. ويجوز باتفاق مكتوب بين العامل وصاحب العمل تمديد فترة التجربة، على ألا تزيد على مائة وثمانين يومًا. ولا تدخل في حساب فترة التجربة إجازة عيدي الفطر والأضحى والإجازة المرضية“، ونتناول شرح هذه المسألة فيما يلي:
1- الأصل ألا يزيد الاتفاق الأولي على 90 يوم: وهذا يعني أن صاحب العمل لا يمكنه وضع العامل في فترة تجربة مفتوحة أو غير محددة المدة، بل يجب أن تكون مدة التجربة واضحة منذ البداية ولا تتجاوز (90 يومًا)، علمًا بأن هذا هو الحد الأقصى، فلا بأس بأن يتم الاتفاق على مدة أقل مثل (45 يومًا) أو (60 يومًا) أو أي عدد أيام، المهم أن يكون أقل من (90) يومًا.
2- جواز الاتفاق على التمديد بحد أقصى 180 يوم: في بعض الحالات، قد يحتاج صاحب العمل لمزيد من الوقت لتقييم أداء العامل، أو قد يحتاج العامل إلى فترة أطول للتكيف مع متطلبات العمل. في هذه الحالة، يسمح نظام العمل بتمديد فترة التجربة إلى مدة أو مدد أخرى، المهم ألا تزيد فترة التجربة الأصلية، والمتفق على تمديدها عن (180) يومًا، وسنتحدث بعد قليل عن شروط التمديد وضوابطه بالتفصيل.
3- الإجازات لا تدخل في حساب فترة التجربة: وهي نوعان، هما:
النوع الأولى: إجازة عيدي الفطر والأضحى: هذه الإجازات هي أيام إجازة رسمية لا تدخل ضمن حساب فترة التجربة. فإذا تزامنت فترة التجربة مع عيد الفطر أو عيد الأضحى، فإن هذه الأيام لا تُحتسب من مدة الـ 90 أو 180 يومًا المخصصة للتجربة.
النوع الثاني: الإجازة المرضية: في حال إصابة العامل بمرض خلال فترة التجربة واضطر لأخذ إجازة مرضية بناءً على تقارير طبية، فإن هذه الأيام أيضًا لا تُحتسب من فترة التجربة.
4- مثال عملي مفصل: لنأخذ مثالًا عمليًا لموظف دخل في فترة تجربة مع صاحب العمل:
- تاريخ بدء العمل: 1 يناير 2024
- مدة التجربة الأولية: 90 يومًا، لذا من المتوقع أن تنتهي فترة التجربة في 31 مارس 2024.
- إجازات: حصل العامل على إجازة عيد الفطر لمدة 5 أيام (من 10 إلى 14 أبريل)، كما أخذ إجازة مرضية لمدة 7 أيام (من 1 إلى 7 مارس).
حساب فترة التجربة:
- الإجازات المأخوذة:
- عيد الفطر: 5 أيام.
- إجازة مرضية: 7 أيام.
- إجمالي الأيام غير المحتسبة ضمن فترة التجربة:
- 5 أيام عيد الفطر + 7 أيام إجازة مرضية = 12 يومًا.
- المدة الفعلية لفترة التجربة:
- 90 يومًا (الفترة الأساسية) + 12 يومًا (الإجازات التي لا تُحسب) = 102 يومًا.
- بالتالي، تنتهي فترة التجربة في 12 أبريل 2024 بدلاً من 31 مارس 2024.
تمديد فترة التجربة
تحدثنا في الأعلى عن آلية حساب فترة التجربة، وأكدنا على أن الاتفاق المبدئي لفترة التجربة لا يمكن بحال من الأحوال أن يزيد على (90) يومًا، وأن الخيار الوحيد المتاح في حال رغب طرفي عقد العمل في زيادة مدة فترة التجربة هو أن يتفقا على تمديدها.
وواقع الأمر أنه لا يوجد حدًا أدنى للفترة التي يمكن أن يُتفَق على تمديدها ، فلا بأس ولو كان التمديد ليوم واحد فقط، كما لا يوجد حدًا أقصى لعدد مرات التجديد، المهم أن يكون مجموع عدد أيام المدة المتفق على تمديدها، وعدد أيام فترة التجربة الأصلية، يساوي (180) يومًا، ومستند ذلك ما نصت عليه المادة (19) من اللائحة التنفيذية لنظام العمل، من أنه: “…وفي جميع الأحوال يجب ألا تزيد فترة التجربة الأصلية مع مدة، أو مدد التمديد على مائة وثمانين يومًا“.
ومن هنا؛ يأتي السؤال ما هي الشروط التي يجب أن تتحقق حتى يكون التمديد صحيحًا، ومتوافقًا مع أحكام النظام؟
شروط تمديد فترة التجربة
إن شروط تمديد فترة التجربة قد تم تحديدها في جزء من المادة 53 من النظام العمل، بما نصها: “…يجوز باتفاق مكتوب بين العامل وصاحب العمل تمديد فترة التجربة“، والمادة (19) من اللائحة التنفيذية لنظام العمل؛ إذ تضمنت ما نصه: “إذا اتفق الطرفان على تمديد فترة التجربة، فيجب أن يكون ذلك بعد البدء في تنفيذ عقد العمل، وخلال سريان فترة التجربة، ويجوز أن يكون التمديد لمرة، أو مرات متعددة؛ على أن يكون ذلك باتفاق كتابي مستقل في كل مرة، وفي جميع الأحوال يجب ألا تزيد فترة التجربة الأصلية مع مدة، أو مدد التمديد على مائة وثمانين يومًا“، ونتناول شرح جميع هذه الشروط المنصوص عليها في المادتين المذكورتين، فيما يلي:
1- شرط كتابة اتفاق التمديد: يعتبر الاتفاق الكتابي على تمديد فترة التجربة أمرًا إلزاميًا، حيث لا يمكن تمديدها بشكل شفهي أو غير موثق، علمًا بأن الاتفاق الكتابي السليم يُعَدُّ دليلًا قاطعًا عند حدوث أي نزاع مستقبلي بين الطرفين، مما يجعل الالتزام بهذا الشرط ضروريًا لتفادي أي التباس أو سوء تفاهم.
2- أن يكون اتفاق التمديد بعد البدء في سريان عقد العمل: يشترط لتمديد فترة التجربة أن يتم الاتفاق على التمديد بعد بدء سريان عقد العمل وليس قبل ذلك، بمعنى أن العامل يجب أن يكون قد بدأ بالفعل في ممارسة مهامه تحت شروط عقد العمل الأصلي، علمًا بأن هذا الشرط بديهي؛ لكونه يأتي مكملًا لما ذكرناه آنفًا من أنه لا يجوز الاتفاق على فترة تجربة مبدئية إلا بحد أقصى (90) يومًا، فالمنطق يقتضي أن يتم بالبدء في هذه الفترة المبدئية، ثم يأتي الاتفاق على التمديد أم لا.
3- ألا تكون فترة التجربة الأصلية قد انتهت: لا يمكن تمديد فترة التجربة إذا كانت قد انتهت بالفعل؛ فيجب أن يتم التمديد أثناء سريان الفترة الأصلية، وإذا تجاوز الطرفان هذه المهلة دون التمديد، فإن أي اتفاق لاحق على التمديد يعتبر باطلًا، وهذا الشرط يضمن أن العامل لا يدخل في مرحلة غير محددة من التجربة بعد انتهاء الفترة المقررة.
4- الحد الأقصى لفترة التجربة (180) يومًا: ينص نظام العمل على أن فترة التجربة الأصلية مع أي تمديد لها يجب ألا تتجاوز 180 يومًا. هذا يعني أن مدة التجربة بالكامل، بما في ذلك التمديدات الممكنة، يجب أن تنتهي خلال هذا الإطار الزمني المحدد.
5- جواز التمديد لمرة أو مرات متعددة: يسمح نظام العمل بالتمديد لمرة واحدة أو لمرات متعددة، ولكن بشرط أن يتم كل تمديد باتفاق كتابي مستقل، وهذا يعني أنه إذا اتفق الطرفان على التمديد أكثر من مرة، فيجب أن يتم توقيع اتفاق جديد لكل تمديد على حدة، ولكن في جميع الأحوال، يبقى الحد الأقصى لفترة التجربة الأصلية مع جميع التمديدات هو 180 يومًا، ولا يمكن تجاوز هذا الحد مطلقًا.
إشعار تمديد فترة التجربة
إن أول الشروط التي ذكرناها في الأعلى، والمطلوبة ليكون الاتفاق على تمديد فترة التجربة صحيحًا، هو أن يكون الاتفاق على التمديد مكتوبًا، وفي الواقع العملي إذا رغب أي طرف من طرفي عقد العمل سواء أكان العامل أو صاحب العمل في تمديد فترة التجربة؛ فإن الطرف الراغب في التجديد يوجه إشعارًا إلى الطرف الآخر يفيده برغبته في هذا التمديد، وإذا ما وافق الطرف الآخر على هذا الإشعار بالتوقيع عليه، أو الرد عليه بإشعار آخر يتضمن الموافقة مثلًا؛ فيكون حينها شرط الكتابة قد تحقق ويكون التمديد صحيحًا، وساريًا بين الطرفين دون أي مشكلات،
وأما عن آلية أو طريقة إشعار تمديد فترة التجربة؛ فلم يُحدد نظام العمل طريقة معينة لهذا الشأن، وبالتالي؛ فهي تخضع لإرادة الطرفين، سواء أكان الإشعار من خلال خطاب مكتوب أو بريد إلكتروني أو رسالة نصية من خلال أحد تطبيقات الجوال مثل الواتس آب أو السناب شات.
ولكن يلزم التنويه على أنه في غالب عقود العمل يكون محددًا بها طريقة معتمدة بين الطرفين للمراسلات والإشعارات، والتي غالبًا ما تكون من خلال بيانات التواصل المكتوبة في بداية عقد العمل، ونشارككم صورة لهذا البند المدوَّن في عقد عمل موثق بمنصة قوى:
وتجدر الإشارة إلى أنه طالما وجد في عقد العمل هذا البند المُحِدد لقنوات الاتصال المعتمدة بين طرفي عقد العمل للمراسلات والإشعارات؛ فيكون الطرفان مُلزمان بالتقيد بها عند إرسال إشعار تمديد فترة التجربة، وأخيرًا فيما يتعلق بصيغة هذا الإشعار، فلا توجد صيغة موحدة، وستفي بالغرض أي كتابة توضح الرغبة في تمديد فترة التجربة، ويمكنكم الاستعانة بهذا النموذج المجاني الذي وفرناه لكم.
هل يحق للموظف رفض تمديد فترة التجربة
الإجابة: هي نعم، بالطبع يكون للموظف مُطلَق الحرية في رفض تمديد فترة التجربة، وسواء أكان لديه أسباب مشروعة تُبرر الرفض أو لم يكن لديه أي سبب؛ إذ كما بينّا أعلاه أن التمديد لا يكون صحيحًا إلا إذا وجد اتفاق كتابي بين العامل وصاحب العمل، وطالما أن نظام العمل قد اشترط الكتابة؛ فيلزم أن يتم بالتراضي بين الطرفين، وعليه؛ لا يمكن إجبار الموظف على قبول تمديد فترة التجربة أبدًا، فإن شاء قبل التمديد، وإن شاء رفض، دون رقيب عليه أو حسيب.
إنهاء العقد في فترة التجربة
إن الغرض الأساسي من فترة التجربة هو تمكين طرفي عقد العمل من عدم التقيد من إلزامية عقد العمل؛ فمن المفترض أن عقد العقد محدد المدة لا يجوز إنهاؤه قبل مدته، وكذلك في العقد غير محدد المدة لا يمكن إنهاؤه إلا إذا تحقق سبب مشروع يُبرر هذا الإنهاء، وإن مخالفة هذه الإلزامية سيترتب عليها تحمل مسؤولية التعويض على عاتق الطرف المُنهي دون سبب مشروع، ومع ذلك، وفي كثير من الأحيان؛ قد توجد حاجة مُلحة سواء للعامل أو صاحب العمل لتجربة بعضهما البعض أولًا قبل التقيد بإلزامية عقد العمل.
وكما بينَّا آنفًا أن فترة التجربة قد جاءت لتحل هذه الإشكالية؛ إذ يتمكن -بحسب الأصل- طرفي عقد العمل من إنهائه طالما كانت فترة التجربة لا زالت ساريةً، وهذا ما نصت عليه المادة 53 من نظام العمل، من أنه: “…ولكل من الطرفين الحق في إنهاء العقد خلال هذه الفترة [فترة التجربة]..“، وبناءً عليه؛ إذا كان العقد متضمنًا بندًا يقضي بفترة التجربة؛ فيكون من حق أي طرف من طرفي عقد العمل إنهاؤه دون أي مشكلات.
ولكن، وهذه معلومة غاية في الأهمية، نظام العمل لم يجعل الحق في الإنهاء بصورة مُطلقةً لأي من طرفي عقد العمل، وإنما النظام قد سمح أن يكون الاتفاق على حق الإنهاء مقصورًا على طرف دون الآخر، فجاءت تكملة المادة 53 من نظام العمل؛ لتنص على أنه: “…ما لم يتضمن العقد نصّا يعطي الحق في الإنهاء لأحدهما“، وهذا يعني أن عقد العمل إذا كان ينص على أن حق الإنهاء خلال فترة التجربة مقررًا لطرف معين؛ فسيكون الحق في الإنهاء مشروعًا لهذا الطرف فقط، وسيكون الطرف الآخر مُلزمًا بالعقد كاملًا حتى خلال فترة التجربة، فلا يملك الإنهاء إلا إذا تحقق أي سبب من الأسباب المشروعة لإنهاء العقد.
وفي هذا السياق؛ يُمكننا أن نتصور وجود أربعة أشكال وصيغ لبند فترة التجربة بعقد العمل، وهم:
الصيغة الأولى: أن يكون العقد محدد به فترة التجربة فقط دون الإشارة لحق الإنهاء من الأساس، وهنا؛ سيتم الرجوع للحق العام المنصوص عليه في المادة 53، وسيكون من حق صاحب العمل وكذلك العامل إنهاء العقد طالما كان الإنهاء خلال فترة التجربة.
الصيغة الثانية: أن يُحدد بعقد العمل فترة التجربة، ويُنص به صراحةً على أن حق الإنهاء مُقررٌ للطرفين، وهنا؛ وكما هو واضح من النص يكون للعامل أو صاحب العمل الحق في إنهاء العقد طالما كانت فترة التجربة لا زالت ساريةً، ونُشارككم بند فترة تجربة مكتوب بعقد عمل موثق على قوى متضمنًا هذه الصيغة الثانية:
الصيغة الثالثة: أن يتم النص بعقد العمل على فترة التجربة، ويُحدد به أن حق الإنهاء مقصورٌ على الطرف الأول [صاحب العمل] فقط، دون الطرف الثاني [العامل]، وهنا؛ سيكون من حق صاحب العمل فقط إنهاء العقد، ولن يتمكن العامل من الإنهاء حتى ولو كان خاضعًا لفترة تجربة.
الصيغة الرابعة: وهي الوجه المقابل للصيغة الثالثة؛ فيُحدد بالعقد أن حق الإنهاء قاصرٌ على الطرف الثاني [العامل] فقط، دون الطرف الأول [صاحب العمل]، وبالتالي؛ سيكون من حق العامل إنهاء عقد العمل في أي وقت يشاء طالما كانت فترة التجربة لا زالت ساريةً، ولن يتمكن صاحب العمل من الإنهاء حتى مع وجود فترة التجربة.
في الختام، يُظهر نظام العمل السعودي مرونة واضحة في تنظيم فترة التجربة، بما يحقق مصلحة طرفي عقد العمل دون الإخلال بحقوقهما. ومن خلال المادة 53، يتاح -بحسب الأصل- للطرفين إنهاء العقد خلال فترة التجربة، إلا إذا اتفق على حصر هذا الحق على أحد الطرفين فقط. هذا التنظيم يتيح للطرفين فرصة تقييم العلاقة التعاقدية قبل الالتزام الكامل، مع ضمان الحقوق والحفاظ على التوازن بين العامل وصاحب العمل.
هل يحق للعامل ترك العمل خلال فترة التجربة؟
بناءً على ما فصناه أعلاه؛ فالإجابة تعتمد على صيغة البند المدون به فترة التجربة، فإذا كان ينص صراحةً على أن حق الإنهاء خلال فترة التجربة ممنوحًا للطرف الثاني [العامل]؛ فسيتمكن العامل من ترك العمل دون أن يقع على عاتقه أي مسؤوليات أو تعويضات لصالح صاحب العمل، ولكن إذا كان حق الإنهاء مقصورًا على صاحب العمل فقط؛ فللأسف لن يكون من حق العامل ترك العمل حتى ولو كان خاضعًا لفترة تجربة.
وحينها لن يكون أمام العامل سوى تحقيق أي سبب من الأسباب المشروعة المُحددة لإنهاء العقد، وهي عديدة مثل: (الإنهاء بالتراضي، وحلول تاريخ انتهاء العقد، وبلوغ سن التقاعد، وغيرها..)، ويمكنكم قراءة هذا المقال الذي تناولنا فيه شرح هذه الأسباب المشروعة بالتفصيل/ المادة 74 من نظام العمل.
الاستقالة في فترة التجربة
من ضمن الأسباب المشروعة التي تُجيز للعامل ترك العمل خلال فترة التجربة هي “الاستقالة”، ومن البديهي ألا يلجأ العامل إلى تقديم الاستقالة إلا إذا كان محرومًا -بالفعل- من حق الإنهاء خلال فترة التجربة، إذ لو كان مُقررًا له هذا الحق؛ فسيترك العمل دون أي مشكلات، وذلك على التفصيل الذي وضحناه أعلاه.
وأما بالنسبة للاستقالة نفسها، فهي باختصار عبارة عن طلب يُقدمه العامل لصاحب العمل ليخبره برغبته في عدم استمراره في العمل، وتخضع الاستقالة لسلطة صاحب العمل التقديرية، سواء بالقبول أو الرفض، ونُحيل في شرح أحكام الاستقالة تفصيلًا لمقالنا التالي/ الاستقالة من العمل في القطاع الخاص.
نموذج إنهاء عقد العمل خلال فترة التجربة
إن نظام العمل لم يشترط أن يقوم الطرف الراغب في إنهاء عقد العمل خلال فترة التجربة بإشعار الطرف الآخر بهذه الرغبة، فلو أنه العامل مثلًا؛ فيكفي فقط أن يكون حق الإنهاء مُقررًا له؛ ثم يترك العمل دون أي حاجة لاتخاذ أي إجراء، أما لو كان صاحب العمل؛ فيكفي أيضًا أن يُبلغ العامل شفاهةً بقرار فصله عن العمل.
ولكن في الواقع العملي دائمًا ما تثور إشكاليات كبيرة بسبب عدم توثيق تاريخ إنهاء عقد العمل خلال فترة التجربة، وهذا التاريخ يكون له بالغ الأهمية لتقرير ما إذا كانت العلاقة العمالية قد انتهت بسبب مشروع أم لا، ويُحدد بناءً عليه مدى أحقية المدعي في التعويض أم لا.
ولذلك، وحتى لا تثور أي إشكاليات أو منازعات فيما بعد بسبب حقيقة هذا الإنهاء؛ فدائمًا ما يُفضَّل أن يوثَق إنهاء عقد العمل خلال فترة التجربة بموجب اتفاق كتابي يوقع بين الطرفين، ولا توجد صيغة موحدة لهذا الإنهاء، وبالتالي؛ فهو يخضع لإرادة الطرفين، ونشارككم هذا النموذج يمكنكم الاستفادة منه في هذا الشأن.
حقوق الموظف في فترة التجربة القطاع الخاص
في فترة التجربة يتمتع الموظف بكامل الحقوق العمالية المُقررة في نظام العمل، فيما عدا حقين فقط، وهما: (مكافأة نهاية الخدمة، والتعويض)، وهذا ما نصت عليه المادة (54) من نظام العمل، من أنه: “…إذا أنهي العقد خلال فترة التجربة فإن أيًّا من الطرفين لا يستحق تعويضًا، كما لا يستحق العامل مكافأة نهاية الخدمة عن ذلك“، وأما عن تفصيل حقوق الموظف التي يتمتع بها خلال فترة التجربة، فنوضحها في النقاط التالية:
1- الحصول على الأجر في مواعيده: الموظف له الحق في الحصول على أجره المتفق عليه بالعقد، في الوقت المحدد دون تأخير، كما تنص عليه المادة (61) والمادة (92) من نظام العمل.
2- العمل لمدة (8) ساعات فقط يومًا: بحسب الأصل لا يجوز تكليف الموظف خلال فترة التجربة بالعمل لأكثر من 8 ساعات في اليوم، بحسب المادة (98) من نظام العمل. هذا يضمن توازنًا بين العمل والراحة.
3- ساعات الراحة اليومية: يجب منح الموظف ساعات راحة يومية خلال فترة التجربة كافية تضمن له استرداد نشاطه، وذلك وفقًا للمادة (101) من نظام العمل.
4- يوم الراحة الأسبوعية: الموظف يستحق يوم الجمعة راحة أسبوعية مدفوع الأجر، وفقًا للمادة (104) من نظام العمل.
5- أجر عن ساعات العمل الإضافية: إذا طُلب من الموظف العمل لساعات إضافية، فإنه يستحق أجرًا إضافيًا بنسبة (50) % لكل ساعة إضافية، كما تنص عليه المادة (107) من نظام العمل.
6- إجازة سنوية: حتى خلال فترة التجربة، يكون للموظف الحق في الحصول على إجازة سنوية مدفوعة الأجر وفقًا للمادة (109) من نظام العمل، مع مراعاة النسب المستحقة من أيام الإجازة السنوية مقارنة بإجمالي المدة التي عمل فيها الموظف، فهي بحسب الأصل (21) يومًا على مدار السنة.
7- إجازة مرضية: في حال مرض الموظف خلال فترة التجربة، يحق له الحصول على إجازة مرضية وفقًا للمادة (117) من نظام العمل، بل ولا تُحتسَّب هذه الإجازة من فترة التجربة أصلًا، ولقد سبق أن شرحنا ذلك تفصيلًا في الأعلى.
8- الإجازات الرسمية: للموظف حق في الإجازات الرسمية التي تقرها الدولة، وذلك حسب المادة (112) من نظام العمل، ولا تُحتسَّب هذه الإجازات من فترة التجربة.
في الختام، يتمتع الموظف خلال فترة التجربة في القطاع الخاص بكامل الحقوق العمالية التي يكفلها نظام العمل، باستثناء مكافأة نهاية الخدمة والتعويض. وهذه الحقوق تشمل الحصول على الأجر في مواعيده، ساعات العمل والراحة المحددة، الإجازات السنوية والمرضية، بالإضافة إلى الإجازات الرسمية. تلك الحقوق تضمن توازنًا بين مصلحة العمل وحقوق الموظف؛ مما يعزز بيئة عمل عادلة تحترم حقوق العاملين حتى في فترة التجربة.
الغياب في فترة التجربة
يعد الغياب في فترة التجربة مؤشرًا سلبيًا على التزام الموظف الجديد، ولا شك أن هذه الصورة السلبية ليست من الأولويات لدى العامل الذي يُريد أن يثبت كفاءته، وجدارته في تولي مهام الوظيفة المنوطة به، بحيث يُظهِر أفضل ما لديه أمام صاحب العمل؛ ليدفعه على الإبقاء على العلاقة العمالية.
ولكن على الجانب الآخر قد يتعرض العامل لظروف قهرية وتعجيزية؛ تمنعه من الذهاب إلى العمل لفترة من الزمن، ولا يُعقَل أن يُحاسَب العامل على شيء هو ليس له يد فيه، وواقع الأمر أن نظام العمل ذاته قد راعى هذه النقطة، وسمح للعامل بأن يتغيب عن العمل، متى ثبت مرضه بموجب شهادة طبية معتمدة، وفق ما نصت عليه المادة 53 من نظام العمل، من أنه: “..ولا تدخل في حساب فترة التجربة إجازة عيدي الفطر والأضحى والإجازة المرضية..“.
ومن الواقع العملي؛ ننصح أي عامل بألا يتغيب عن العمل إلا في أضيق الحدود، أي في الظروف القهرية فعلًا، والسبب في ذلك أنه حتى ولو كان نظام العمل يُتيح للعامل الغياب في فترة التجربة، ويجعله غيابًا مشروعًا، إلا أن هذا لا ينال من حق صاحب العمل في إنهاء عقد العمل بموجب فترة التجربة، وبالتالي؛ إذا لم يكن صاحب العمل متفهمًا لظروف العامل، أو لم يستشعر بجدية العامل في تولي مهام وظيفته، مع كثرة غيابه؛ فلا شك أنه لن يُبقي على العامل وسيفصله، وسيكون فصلًا مشروعًا طالما كان خلال فترة التجربة.
الشرط الجزائي في فترة التجربة
الأصل أنه لا توجد فائدة فعلية للشرط الجزائي في العقد المتضمن فترة تجربة؛ إذ كما بينّا في الأعلى أن الأصل في فترة التجربة أنها تُجيز لطرفي عقد العمل الحق في إنهائه دون أي مسؤولية تجاه الطرف الآخر، وبالتالي؛ إذا كان إنهاء عقد العمل قد تم خلال فترة التجربة سواء من جانب العامل أو صاحب العمل؛ فلن يكون الطرف المُنهي مُلزمًا بسداد الشرط الجزائي المدون في العقد؛ لكون الإنهاء خلال فترة التجربة هو إنهاء مشروع ولا غبار عليه.
ومع ذلك، قد تأتي أهمية الشرط الجزائي في فترة التجربة في الأحوال التي يكون فيها حق الإنهاء لعقد العمل خلال فترة التجربة، مقصورًا على طرف دون الآخر [شرحناه بالتفصيل أعلاه]، ففي هذه الحالة إذا أنهى الطرف الذي ليس مقررًا له هذا الحق أصلًا؛ فسيكون مطالبًا بسداد الشرط الجزائي للطرف الآخر.
علمًا بأنه يُرجَع في تحديد قيمة هذا الشرط الجزائي لما تم الاتفاق عليه في عقد العمل، وفي جميع الأحوال لن يقل عن راتب شهرين حسب ما نصت عليه المادة 77 من نظام العمل، ويمكنكم القراءة بتفصيل أكثر عن/ حساب التعويض عند الفسخ غير المشروع