تُعد النفقة من الحقوق الشرعية الواجبة التي يُلزم بها الزوج تجاه زوجته، وتشمل النفقة جميع الاحتياجات الأساسية التي تضمن لهم حياة كريمة، والتي تتضمن: (الطعام، الشراب، الملابس، السكن)، ومستنده المادة (45) من نظام الأحوال الشخصية.
إلى جانب ذلك، لا يقتصر نطاق النفقة على هذه العناصر فقط، بل قد يمتد ليشمل متطلبات أخرى يحددها العُرف، مثل تكاليف العلاج والدواء، والمصاريف الدراسية، وأدوات التعليم، وغيرها من الاحتياجات الضرورية التي تقتضيها ظروف الحياة، ولم يضع النظام تحديدًا صارمًا لما يجب أن تتضمنه النفقة، بل جعل ذلك مرهونًا بالعُرف السائد، مع مراعاة مستوى معيشة الأسرة وإمكانيات المنفق.
وفي هذا الشأن تثور عدة تساؤلات في أذهان الزوجات والأزواج على حدٍ سواء، ومنها:
- كم نفقة الزوجة شهريًا؟
- ما هي شروط النفقة على الزوجة؟
- متى لا تستحق الزوجة النفقة؟
- هل يمكن إقامة دعوى جديدة للمطالبة بإنقاص النفقة أو زيادتها؟
- هل يحق للزوجة مطالبة الزوج بنفقة امتنع عن سدادها في الماضي؟
كل هذه التساؤلات وأكثر؛ نُجيب عليها في هذا المقال المُعد من قِبَل فريق البحوث بشركة نوماس للمحاماة، مع الإشارة لمستند كل إجابة من نظام الأحوال الشخصية الساري حاليًا.
أولًا: كم نفقة الزوجة شهريا؟
إن النفقة التي يلتزم بها الزوج تجاه زوجته ليست مُقدرةً بمبلغ معين، فلا يمكن مثلًا القول بأن الزوجات كلهن يستحققن نفقة قدرها (5000) خمسة آلاف ريال شهريًا، فهذا لا يمكن بحال من الأحوال، وذلك لأن النفقة تُقدَّر حسب العوامل الآتية:
- مستوى الدخل المالي للزوج.
- التزاماته الشهرية الأخرى.
- ما يُحقق الحد الأدنى لكفاية الزوجة وفقًا لمستوى معيشتها وظروفها..
ومع ذلك فإنه يُمكن نقل ما يحدث بالواقع العملي في محاكم الأحوال الشخصية؛ إذ من خلال قضايا النفقة المستقبلية المرفوعة أمام محاكم الأحوال الشخصية، يُمكننا القول بأن تقدير النفقة للزوجة غالبًا ما يتراوح بين (400) ريال كحد أدنى، و(3500) ريال كحد أقصى شهريًا، وذلك بناءً على الاعتبارات المذكورة أعلاه، بحيث يتم تحقيق التوازن بين قدرة الزوج المالية واحتياجات الزوجة الأساسية، ومستند ذلك المادة (46) من نظام الأحوال الشخصية: “يراعى في تقدير النفقة حال المنفق عليه وسعة المنفِق“.
ثانيًا: هل يشترط في النفقة أن تكون نقدًا؟
لا، لا يُشترَط أن تكون النفقة المسددة من الزوج لزوجته عبارة عن مبلغ نقدي، وإنما يمكن أن تكون إتاحة عينية للمستلزمات الحياتية اليومية، كأن يقوم الزوج بشراء الطعام والشراب والملابس ويسلمهم للزوجة في بيت الزوجية.
وبناءً عليه؛ إذا أقامت الزوجة ضد زوجها دعوى تطالب فيها بالنفقة سواء المستقبلية أو الماضية، وتمكن الزوج في الدعوى من إثبات أنه كان يُحضر مستلزمات المنزل بصورة عينية؛ فحينها سيحكم القاضي برد دعوى الزوجة، إلا لو كانت الأشياء التي يُحضرها الزوج لا تكفي للمعيشة، ومستند ذلك المادة (47) من نظام الأحوال الشخصية: “2- يعد من الإنفاق إتاحة المال عينًا أو منفعةً“.
ثالثًا: متى لا تستحق الزوجة النفقة؟
إن الزوجة تستحق النفقة طالما مكَّنت نفسها من الزوج، ويسقط عنها ذلك الحق، في الأحوال الآتية:
- الامتناع عن تمكين نفسها من الزوج.
- الامتناع عن الانتقال إلى بيت الزوجية.
- الخروج من بيت الزوجية ورفض العودة [النشوز].
- الامتناع عن المبيت في بيت الزوجية.
- الامتناع عن السفر مع الزوج.
فإذا قامت الزوجة بأي حالة من الحالات المذكورة؛ فتكون غير مستحقة للنفقة، ويكون من حق الزوج الامتناع عن الإنفاق، هذا مع مراعاة القيد أدناه.
القيد العام: إذا كان امتناع الزوجة في أي حالة من الحالات أعلاه مستندًا إلى عُذر مشروع؛ فلا يسقط حقها في النفقة، ومن أمثلة العذر المشروع:
- تعرض الزوجة للخطر من الزوج، وكان الامتناع بغرض حماية نفسها.
- عدم توفير الزوج مسكنًا شرعيًا مناسبًا، سواء من حيث الأمان أو المرافق الأساسية.
- إصابة الزوج بمرض مُعدٍ خطير، يجعل العيش معه خطرًا على صحتها.
- ظروف قهرية خارجة عن إرادتها، كأن تكون في حالة مرضية تمنعها من الانتقال أو التمكين.
في هذه الحالات، يظل حق الزوجة في النفقة قائمًا، ويعود تقدير مدى مشروعية العذر إلى القاضي ناظر الدعوى.
ومستند ذلك المادة (51) من نظام الأحوال الشخصية: “..تجب النفقة للزوجة على زوجها بموجب عقد الزواج الصحيح إذا مكنته من نفسها حقيقة أو حكمًا“، والمادة (55) من نظام الأحوال الشخصية: “يسقط حق الزوجة في النفقة إذا منعت نفسها من الزوج، أو امتنعت عن الانتقال إلى بيت الزوجية أو المبيت فيه أو السفر مع الزوج، من دون عذر مشروع“.
رابعًا: متى تسقط نفقة الزوجة المطلقة؟
إن استحقاق المطلقة للنفقة من عدمه يعتمد على نوع الطلاق نفسه، وبيانه في الآتي:
1- الطلاق الرجعي: تستحق فيه المطلقة النفقة حتى انتهاء فترة العدة.
2- أما الطلاق البائن: فلا تستحق فيه المطلقة أي نفقة.
3- المطلقة الحامل: في جميع الأحوال تستحق نفقة إلى أن تُنجِب مولودها.
وفي غير الحالات المذكورة أعلاه، لا تستحق المطلقة نفقة من طليقها، علمًا بأن الحديث هنا مقصورٌ على نفقة المطلقة فقط، أما عن نفقة الأبناء فهي على عاتق الأب طالما كان الأبناء في حضانة الأم، إذ لا يؤثر على تلك النفقة كون العلاقة الزوجية بين الأم والأب قائمة أم لا.
ومستند ذلك المادة (53) من نظام الأحوال الشخصية: “1- تجب النفقة للمعتدة من طلاق رجعي إلى حين انتهاء عدتها. 2- لا تجب النفقة للمعتدة البائن إلا إذا كانت حاملًا، فلها النفقة حتى تضع حملها“.
خامسًا: هل يحق للزوجة مطالبة الزوج بنفقة امتنع عن سدادها في الماضي؟
نعم، يحق للزوجة مطالبة الزوج بنفقة كان قد امتنع عن سدادها في الماضي، بل إن النظام يُقرر صراحةً أن حق الزوجة في النفقة من الحقوق التي لا تسقط من على عاتق الزوج إلا إذا قام بسدادها أو أبرءته الزوجة منها.
وعليه؛ إذا كانت الزوجة ليس متحققًا في شأنها أي حال من الحالات التي تسقط فيها نفقتها، وكان الزوج ممتنعًا عن سداد النفقة لمدة من الزمن، فيكون من حق الزوجة التقدم إلى محكمة الأحوال الشخصية بدعوى تُسمى”دعوى النفقة الماضية“؛ لتُطالب فيها بإلزام الزوج بسداد نفقتها ، هذا مع مراعاة الشرط أدناه.
الشرط الجوهري: يُشترط ألا يكون قد مضى على النفقة المُطالب بها مدة تزيد على سنتين؛ أي أن الزوجة يمكنها المطالبة بالنفقة الماضية لمدة سابقة على رفع الدعوى بسنتين فقط، وما يجاوز ذلك لن ينظره القاضي.
مثال توضيحي: إذا توقف الزوج عن دفع النفقة في يناير 2022، وقامت الزوجة برفع الدعوى في مارس 2025، فإن المحكمة لن تحكم لها إلا بالنفقة المستحقة عن الفترة من مارس 2023 إلى مارس 2025، بينما يسقط حقها في المطالبة بالنفقة عن الفترة من يناير 2022 إلى فبراير 2023 بسبب مرور أكثر من سنتين عليها.
لذلك، من المهم أن تبادر الزوجة برفع الدعوى خلال مدة لا تتجاوز السنتين من تاريخ استحقاق النفقة حتى لا يسقط حقها في المطالبة بالمبالغ الأقدم من ذلك.
ومستند ذلك المادة (52) من نظام الأحوال الشخصية: “1- لا يسقط حق الزوجة في النفقة إلا بالأداء أو الإبراء. 2- لا تسمع الدعوى بنفقة الزوجة عن مدة سابقة تزيد على (سنتين) من تاريخ إقامة الدعوى“.
سادسًا: هل يمكن إقامة دعوى جديدة للمطالبة بإنقاص النفقة أو زيادتها؟
من المُقرر نظامًا أن الأحكام القضائية التي تصدر في الدعاوى، طالما صدرت في ذات الموضوع وبين ذات الأطراف، فإنه يحظر على أي من أطراف الحكم معاودة إقامة دعوى جديدة بنفس الموضوع، وذلك لاكتساب الحكم حجية الأمر المقضي، التي تمنع إعادة النزاع بشأنه.
ولكن، بالنظر إلى دعاوى الأحوال الشخصية، وبالأخص دعاوى النفقة، يتضح أنها ذات طبيعة متجددة، فعلى سبيل المثال: إذا قُدِّرت النفقة اليوم بمبلغ (1000) ريال شهريًا، وكان أساس تقديرها أن الزوج (المطالب بالإنفاق) يعمل في شركة براتب (15,000) خمسة عشر ألف ريال، فلا يُتصوَّر الإبقاء على هذا المبلغ إذا تمت إحالة الزوج على المعاش، وأصبح راتبه التقاعدي (7,000) سبعة آلاف ريال فقط، بل إن مرور الزمن وحده كافي لتغير الظروف بزيادة الأسعار وغلو المعيشة.
ومن هذا المنطلق، وبسبب تلك الطبيعة المتجددة لدعاوى النفقة؛ فإن المُنظِم قد أجاز فيها معاودة النزاع بإقامة دعاوى جديدة للمطالبة بإنقاص النفقة أو زيادتها، بالرغم من وجود حكم أو محضر صلح سابق، مع مراعاة الشرط أدناه.
الشرط الجوهري: إن لدعوى إنقاص النفقة أو زيادتها شرط جوهري يلزم أن يتحقق أولًا، وهو “مضي سنة على الأقل من تاريخ آخر حكم”، بمعنى أنه لو صدر حكم النفقة في تاريخ 01/01/1446هـ؛ فلا يكون من حق الزوجة -مثلًا- إقامة دعوى جديدة للمطالبة بزيادة النفقة إلا بعد تاريخ 01/01/1447هـ، ولو أقامت قبله؛ سيحكم القاضي بعدم قبول الدعوى.
استثناء: يوجد استثناء نظامي مُقرر في هذا الشأن، وهو “الظروف الاستثنائية”؛ إذ لو طرأ على أحد طرفي النزاع ظرف استثنائي غير متوقع؛ فحينها سيكون لذلك الطرف الحق في التقدم بدعوى إنقاص أو زيادة نفقة -حسب الأحوال- حتى ولو لم تمضِ مدة سنة على الحكم السابق، ويرجع تقدير مدى قبول الظرف الاستثنائي من عدمه إلى القاضي ناظر الدعوى، ومن أمثلته: أن يتم فصل الزوج من العمل مثلًا.
ومستند ذلك المادة (48) من نظام الأحوال الشخصية: “1-…يجوز زيادة النفقة أو إنقاصها تبعًا لتغير الأحوال. 2- لا تُسمع دعوى زيادة النفقة أو إنقاصها قبل مُضي (سنة) من تاريخ صدور الحكم بالنفقة إلا في الظروف الاستثنائية التي تُقدرها المحكمة…“.
موضوعات أخرى ذات صلة
الأسئلة الشائعة
هل تجب النفقة على الزوجة في بيت أهلها؟
الأصل أنه لا تجب النفقة على الزوجة طالما خرجت من منزل الزوجية بغير رضا من زوجها، أو خرجت برضاه ثم امتنعت عن العودة رغم طلبه لها، ففي هذه الأحوال إذا جلست الزوجة في بيت أهلها؛ فلا حق لها في النفقة، أما إذا كان خروج الزوجة بسبب راجع للزوج نفسه، وكانت الزوجة ليس لديها أي مانع للعودة لبيت الزوجية؛ فهنا هي مستحقةٌ للنفقة على زوجها حتى وهي في بيت أهلها.