شهادة الشهود من أهم الأدلة التي يعتمد عليها القاضي عند الحكم في القضية المعروضة أمامه، ومع ذلك، فإن موثوقية الشهادة هي من العوامل الحاسمة ليتمكن القاضي من التعويل عليها في الإثبات؛ إذ إن أي شكوك حول مصداقية الشاهد أو شهادته قد تؤدي إلى سقوط الشهادة.
ولقد وضع المُنظِم السعودي العديد من الضوابط النظامية؛ لضمان صحة الشهادة، وبتخلف أي منها؛ يترتب عليه سقوط الشهادة.
وانطلاقًا من الأهمية البالغة لمسألة شهادة الشهود؛ فسنتناولها بالشرح في مقالنا الحالي، لنقف على معناها ودورها في الإثبات والضوابط النظامية لها، وحجيتها في الإثبات، وكيفية الطعن والاعتراض عليها.
أولًا: تعريف شهادة الشهود وأهميتها
يُقصَد بالشهادة -اصطلاحًا- إخبار الشخص عن معاينته لواقعة معينة صدرت عن غيره، وتُثبِت حقًا لشخص ثالث أمام القضاء، فالشهادة تختلف عن الادعاء الذي يتقدم به الشخص ليثبت حقًا لنفسه في مواجهة الغير، كما أن الشهادة تختلف عن الإقرار الذي يصدر عن الشخص، والذي يكون حجةً تجاه الشخص نفسه، ولا يمتد للغير، كونه حجة قاصرة.
اقرأ عن/ الإقرار القضائي في النظام السعودي.
وتشغل شهادة الشهود في النظام القضائي السعودي مكانة هامة في إطار الإجراءات القضائية، فهي تعتبر أحد الأدلة الأساسية التي يعتمد عليها القاضي في حكمه، ولقد جاءت جميع الأحكام والضوابط المُنظمة للشهادة في الباب الخامس من نظام الإثبات بدايةً من المادة رقم (65) إلى المادة رقم (83).
ثانيًا: حجية شهادة الشهود في الإثبات
لبيان حجية شهادة الشهود في الإثبات؛ فيجب التفرقة بين الآتي:
1- التصرفات:
وتتمثل التصرفات في العقود التي يتفق عليها الأطراف شفاهةً دون كتابتها، وكذلك التصرفات التي تتم بالإرادة المُنفردة مثل الهبة والوصية، فجميع هذه التصرفات لا تكون لشهادة الشهود حجية في إثباتها إلا إذا كانت قيمتها تساوي (100.000) مائة ألف ريال أو أقل، أو لم تكن محددة القيمة، أما إذا كانت أعلى من مائة ألف ريال، فحينها لن تكون لشهادة الشهود أي حجية، ولا سبيل للإثبات سوى الكتابة، ومستند ذلك ما جاء في المادة (66/1) من نظام الإثبات.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا القيد منطبق فقط على التصرفات التي تمت بعد تاريخ صدور نظام الإثبات، أما التصرفات السابقة فلا ينطبق عليها، ويجوز إثباتها بالشهادة حتى ولو كانت أعلى من مائة ألف ريال، ومستند ذلك ما جاء في المادة (3/1) من الأدلة الإجرائية لنظام الإثبات: “تسري في شأن أدلة الإثبات وحجيتها أحكام النظام القائم وقت نشوء الوقائع أو التصرفات المُراد إثباتها“.
كما أن المُنظِم قرر عددًا من الاستثناءات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود حتى ولو كان التصرف قيمته أعلى من مائة ألف ريال، وتتمثل تلك الاستثناءات في الآتي:
- وجود مانع مادي أو أدبي يمنع من الحصول على الدليل الكتابي حين إبرام التصرف.
- أن يضيع الدليل الكتابي بسبب لا يد للمدعي فيه، مثل الحريق أو السرقة.
- أن يوجد مبدأ ثبوت بالكتابة.
2- الوقائع المادية:
والواقعة عكس التصرف، فإذا كنا قد قُلنا أعلاه أن التصرف يتمثل في (العقد، والإرادة المُنفردة)، فيُمكن القول بأن الواقعة المادية هي أي شيء -من غير العقد أو الإرادة المنفردة- يترتب عليه أثر نظامي، علمًا بأن شهادة الشهود يكون لها كامل الحجية في إثبات تلك الوقائع المادية.
ومن أمثلتها: (الأخطاء التي تصدر عن الغير، العيوب الخفية في المبيع، الغلط، التغرير، الإكراه)، فجميع هذه الأمثلة تُعد من قبيل الوقائع المادية التي يترتب عليها أثر نظامي، والتي يُمكن إثباتها بشهادة الشهود بغض النظر عن القيمة، ومستند ذلك ما جاء في المادة (69/3) من الأدلة الإجرائية لنظام الإثبات.
الواقعة المادية | أثرها النظامي |
الأخطاء التي تصدر عن الغير | استحقاق التعويض |
العيوب الخفية في المبيع | ثبوت خيار العيب (الفسخ، أو الأرش) |
الغلط، التغرير، الإكراه | بطلان التصرف |
ثالثًا: متى تسقط شهادة الشهود؟
تسقط شهادة الشهود ولا تُقبَل في حالات معينة حددها نظام الإثبات، وتتمثل في الآتي:
1- المُسقِط الأول: إذا كان النظام يشترط لصحة التصرف أن يكون مكتوبًا فلا تُقبَل الشهادة: ومثال ذلك الهبة في العقارات، فهي لا تكون صحيحةً إلا إذا كانت موثقة لدى كتابة العدل، ومستند ذلك ما جاء في المادة (368/1) من نظام المعاملات المدنية: “إذا كان الموهوب عقارًا فلا تنعقد هبته إلا بتوثيقها وفق النصوص النظامية“.
2- المُسقِط الثاني: إذا كان محل الشهادة تصرفًا كالعقدقيمته أعلى من مائة ألف ريال؛ فلا تُقبَل فيه شهادة الشهود، وفقًا لما جاء في المادة (66/1) من نظام الإثبات.
3- المُسقِط الثالث: إذا كانت الشهادة لإثبات خلاف ما هو ثابت بالكتابة، ومثال ذلك: لو أن المدعي تقدم بعقد بيع متضمن أن الثمن يُسدد حالًا، ثم جاء المدعى عليه وادعى أن الثمن يُسدد مؤجلًا، فهنا لن يُقبَل منه إثبات الادعاء بشهادة الشهود؛ لكونه مخالف لما هو ثابت بالكتابة، ومستند ذلك ما جاء في المادة (67/3) من نظام الإثبات.
4- المُسقِط الرابع: أن يكون الشاهد ليس أهلًا للشهادة، مثل المجنون، والمعتوه، أو ليس سليم الإدراك فيما يشهد عليه، كأن يكون الشاهد يشهد على أمر يدعي ادراكه بالسمع، والثابت أنه لا يسمع، فهذا مُسقِط للشهادة ولا تُقبَل، ومستند ذلك المادة (70/1) من نظام الإثبات.
5- المُسقِط الخامس: أن يكون سن الشاهد أقل من (15) عامًا، فلا تُقبَل شهادته إلا على سبيل الاستئناس، ومستند ذلك المادة (70/2) من نظام الإثبات.
6- المُسقِط السادس: ألا يُفصِح الشاهد عن علاقته بأطراف الدعوى أو أي مصلحة له فيها؛ إذ يلتزم الشاهد ببيان هذه الأمور قبل أن يُؤدي شهادته، وإن لم يفعل فلا تُقبَل الشهادة، ومستنده المادة (71/1) من نظام الإثبات.
7- المُسقِط السابع: أن يكون للشاهد مصلحة من شهادته سواء بجلب النفع له أو بدفع الضرر عنه؛ فإن ثبَت ذلك فيكون ذلك مُسقطًا لشهادته، ومستنده المادة (71/2) من نظام الإثبات.
8- المُسقِط الثامن: أن يكون الشاهد من أصول المشهود له؛ إذ لا تُقبَل شهادة الأصول للفروع، مثل الأب لابنه، ومستنده المادة (71/2) من نظام الإثبات.
9- المُسقِط التاسع: أن يكون الشاهد زوج للمشهود له؛ إذ لا تُقبَل شهادة الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها، حتى ولو تطلقا أو افترقا، ومستنده المادة (71/2) من نظام الإثبات.
10- المُسقِط العاشر: أن يتناقض الشاهد في شهادته أو مع شهادة شاهد آخر؛ فلا تُقبَل الشهادة، إذ لا حُجة مع التناقض، ومستند ذلك المبدأ القضائي الصادر عن المحكمة العليا السعودية برقم (2233): “التناقض والاختلاف في الشهادة يوجب ردها، وعدم قبولها” (ك ع): (74/3/3)، (2/11/1433).
11- المُسقِط الحادي عشر: ألا يعلَّم الشاهد بشكل مباشر على ماذا يشهد، ومستند ذلك المادة (69) من نظام الإثبات: “تكون الشهادة على مشاهدة أو معاينة أو سماع، ولا تُقبَل الشهادة بالاستفاضة إلا فيما يتعذر علمه غالبًا دونه..“.
رابعًا: الاعتراض على شهادة الشهود
يحق للخصوم في الدعوى سواء المدعي أو المدعى عليه الاعتراض على شهادة الشاهد التي يؤديها أمام المحكمة؛ إذ بعدما يقوم الشاهد بأداء ما لديه من شهادة، فإن القاضي يعرضها على الخصم المشهود ضده، ويسأل عمّا لديه من قوادح تنال من الشاهد أو شهادته.
وإما أن يُجيب المشهود ضده مباشرةً في الجلسة نفسها ويُبين أوجه اعتراضه على شهادة الشاهد أو أن يطلب من القاضي المهلة لإعداد مذكرة مكتوبة تُبين هذه الأوجه، ومن ثَم؛ يُقدمها للقاضي في الجلسة التالية، ومستند ذلك ما جاء في المادة (79/1) من نظام الإثبات على أنه: “للخصم المشهود عليه أن يبين للمحكمة ما يخل بشهادة الشاهد من طعن فيه أو في شهادته. وتقدر المحكمة أثر ذلك في الشهادة“.
كما أن الاعتراض على الشهادة ليس مقصورًا على الجلسات، بل يمكن الاعتراض على شهادة الشاهد حتى بعد صدور الحكم، فإذا أصدر القاضي حكمه دون الاعتداد بالأوجه المقدمة أمامه للقدح في الشاهد وشهادته، فيكون من حق المحكوم ضده التقدم باعتراضه إلى محكمة الاستئناف لبيان مُسقطات هذه الشهادة، ويطلب نقض الحكم بناءً على ذلك.
موضوعات أخرى قد تهمك