بدايةً، وحتى نُزيل أي لبس قد يحصل في هذا الموضوع؛ فيجب أن نؤكد أولًا على أن الأصل في عقد العمل محدد المدة أنه لا يوجد له مدة إشعار، وإنما تلك المدة مختصة فقط بعقود العمل غير محددة المدة؛ لكون الإشعار هو الوسيلة المشروعة المحددة نظامًا لإنهاء عقد العمل غير محدد المدة.
وأما عن عقد العمل محدد المدة؛ فالمفترض فيه أنه ينتهي بمجرد حلول تاريخ انتهاؤه، فعلى سبيل المثال: لو أن العقد مؤرخ في 10/10/1445هـ، وحُددت مدته بسنة واحدة؛ ليكون تاريخ انتهائه في 09/10/1446هـ؛ فهنا بمجرد حلول هذا التاريخ الأخير؛ فسوف ينتهي العقد دون الحاجة لاتخاذ أي إجراء سواء من جانب العامل أو صاحب العمل.
ولكن يبقى السؤال: ما هي قصة مدة الإشعار عن عدم تجديد عقد العمل محدد المدة؟! وواقع الأمر أن سبب هذا التساؤل يرجع إلى أن بعض عقود العمل محددة المدة يكون بها شرط يُطلق عليه “شرط التجديد التلقائي“، فإذا وجد هذا الشرط، فحينها لن ينتهي عقد العمل بمجرد حلول تاريخ انتهاؤه، وإنما يكون العقد مقيدًا بالتجديد التلقائي، ويتعين حينها على الطرف الراغب في إنهاء العقد أن يُشعر الطرف الآخر برغبته في “عدم تجديد العقد”.
ومن هنا تثور عدة تساؤلات، منها: ما هو شرط التجديد التلقائي، وما هي صيغته؟ وكم هي مدة الإشعار لعدم التجديد؟ وكيف يتم هذا الإشعار؟ وهل نظام العمل قد حدد مدة معينة للإشعار؟
سنسُلِط مقالنا للإجابة عن كافة هذه التساؤلات بتفصيلٍ وافٍ وكافٍ إن شاء الله تعالى:
تجديد عقد العمل تلقائيًا
إن الأصل في عقد العمل محدد المدة أنه ينتهي بمجرد حلول التاريخ المدوَّن فيه كتاريخ لنهاية العلاقة العمالية، وهذا ما أكدته المادة (55) من نظام العمل، بما نصها: “1- ينتهي عقد العمل المحدد المدة بانقضاء مدته..“، وكذلك المادة (74) من نظام العمل، بما نصها: “ينتهي عقد العمل في أي من الأحوال الآتية: ..2- إذا انتهت المدة المحددة في العقد..“.
ولكن في غالب عقود العمل محددة المدة لا يكتفي أطرافه بتعيين تاريخ نهاية العقد فقط، وإنما يضعان بندًا في العقد يقضي بتجدد العقد تلقائيًا، وهو ما يطلق عليه مصطلح “شرط التجديد التلقائي“، وهو شرطٌ جائزٌ ونظاميٌ، بل منصوص عليه في المادة (55) من نظام العمل، بما نصها: “2- إذا تضمن العقد المحدد المدة شرطًا يقضي بتجديده لمدة مماثلة أو لمدة محددة، فإنه يتجدد للمدة المتفق عليها..“، وأكدت عليه كذلك المادة (74) من نظام العمل، بما نصها: “ينتهي عقد العمل.. إذا انتهت المدة المحددة في العقد، ما لم يكن العقد قد تجدد صراحة وفق أحكام هذا النظام؛ فيستمر إلى أجله..“.
وأما عن صيغة هذا الشرط فلم يتضمن نظام العمل نصًا يُحدد صيغته، وبالتالي؛ فهو متروك إلى إرادة طرفي العقد [العامل، وصاحب العمل]، فلهما مُطلق الحرية في صياغته بالشكل الذي يجدانه مناسبًا، وإننا من واقع مباشرتنا لعدد ضخم من القضايا العمالية، وما عاصرناه من اطلاعنا على عدد كبير جدًا من عقود العمل محددة المدة، فيمكننا القول بأنه توجد صيغة واحدة دائمًا ما يتم كتابتها في عقود العمل، ويمكن أن نُطلق عليها مصطلح “الإشعار الموقِف للتجديد“.
ماهية الإشعار الموقِف للتجديد
في هذه الصيغة يكون العقد بالفعل مجددًا لمدة مماثلة أو أكثر، طالما لم يقم أي من طرفي العقد بإرسال إشعار للطرف الآخر يفيد بعدم الرغبة في التجديد، ويتم هنا تقييد الإشعار بمدة معينة، بحيث يلتزم الطرف الراغب في عدم التجديد بإرسال الإشعار خلال المدة المعينة، فإذا مرت هذه المدة دون الإشعار؛ فيكون العقد مجددًا حسب الشرط.
ولنأخذ المثال التالي لتضح الصورة أكثر: لو فرضنا مثلًا أن عقد العمل قد حُدد تاريخ بدايته في 09/05/1445هـ، وأن مدته سنة واحدة تُجدد تلقائيًا لمدة مماثلة، ما لم يشعر أحد الطرفين الآخر برغبته في عدم التجديد خلال شهرين قبل تاريخ نهاية العقد.
فمعنى هذا الشرط أن الطرف الذي لا يرغب في أن يُجدد العقد؛ يتعين عليه إرسال إشعار إلى الطرف الآخر يُفيد بعدم الرغبة في التجديد، وذلك قبل شهرين من تاريخ 08/05/1446هـ [نهاية العقد]؛ أي قبل تاريخ 08/03/1446هـ، ومن ثَم؛ إذا لم يُرسِل الإشعار قبل هذا التاريخ، أو أرسله ولكن بعد هذا التاريخ؛ فسيكون العقد قد تجدد تلقائيًا.
ونشارككم هذا البند المدوَّن في عقد عمل إلكتروني موثق على منصة قوى:
مدة إشعار عدم تجديد عقد العمل محدد المدة
على عكس مدة الإشعار المحددة في نظام العمل للعقود غير محددة المدة، والمقيدة بـ(60) يومًا على الأقل، فإن نظام العمل لم يُحدد أي مدة لإشعار عدم تجديد عقد العمل محدد المدة؛ إذ اكتفى فقط بالنص على مشروعية الاتفاق على شرط التجديد التلقائي على التفصيل الذي بيناه أعلاه، دون أن يُلزِم طرفي عقد العمل بالتقيد بمدة معينة للإشعار.
وطالما أن النظام لم يحدد مدة الإشعار لعدم تجديد العقد؛ فهذا يعني أنه قد ترك مسألة تحديدها لمحض إرادة طرفي العقد أنفسهم، فيكون لهما مُطلَق الحرية في تعيين المدة التي يرغبونها، فقد تكون محددة بالأشهر سواء شهر أو شهرين أو ثلاثة، وقد تكون محددة بالأيام كـ(10) أيام، أو (20) يوم، أو (60) يوم، أو أي مدة أخرى يتفقا عليها.
إلا أنه من الناحية العملية، يُستحسن أن يتفق الطرفان على تحديد مدة إشعار مناسبة تتلاءم مع ظروف العمل ومتطلبات كل طرف. فإشعار غير كافٍ قد يسبب ضررًا لأحد الطرفين، سواء كان ذلك من خلال تعطيل مصالح العامل في البحث عن فرصة عمل بديلة، أو من خلال التأثير على مصلحة صاحب العمل في ترتيب الأوضاع الداخلية للمؤسسة أو البحث عن بديل للعامل.
علاوة على ذلك، قد يسهم تحديد مدة معقولة للإشعار في تعزيز الثقة والاحترام المتبادل بين الطرفين، ويساعد على تجنب أي خلافات أو نزاعات قد تنشأ عند اقتراب موعد انتهاء العقد، علمًا بأنه في غالب الأحوال يتم تحديد مدة إشعار عدم تجديد عقد العمل محدد المدة بـ(ستين) يومًا قبل تاريخ انتهاء العقد، ونرى أنها مدة مناسبة تُحقق مصلحة الطرفين.
إنهاء عقد العمل قبل انتهاء مدته
يعد عقد العمل محدد المدة من العقود التي تنتهي بحلول تاريخ محدد دون الحاجة إلى أي إجراءات إضافية، كما نصت عليه المواد النظامية رقم (55) و(74) من نظام العمل، إلا أنه في بعض الحالات قد يرغب العامل أو صاحب العمل في إنهاء العقد قبل وصول هذا التاريخ.
وقد يزيد من الأمر تعقيدًا لو أن العقد كان متضمنًا شرطًا يقضي بتجديده تلقائيًا، ولكن الطرف الراغب في الإنهاء لم ينتبه لمدة الإشعار المحددة في هذا الشرط؛ ثم يتجدد العقد تلقائيًا لمدة جديدة والتي غالبًا لن تقل عن سنة كاملة، فكل هذا؛ يثير تساؤلات حول إمكانية إنهاء العقد قبل مدته، فهل يجيز النظام ذلك، وما الآثار المترتبة على الإنهاء قبل المدة؟
الأسباب المشروعة لإنهاء عقد العمل محدد المدة
حقيقة الأمر أن نظام العمل قد أتاح عددًا من الحالات التي إذا تحققت إحداها؛ فيكون من الجائز إنهاء العقد دون أي مشكلات، ونظرًا لتشعب هذه الحالات، ولصعوبة جمعهم بالتفصيل في مقال واحد؛ فإننا سنشارككم العناوين الرئيسية لكل حالة، مع شرح مُختصر، والإشارة إلى المقال الذي قمنا بإعداده متضمنًا شرحًا تفصيليًا للحالة، ويمكنكم الضغط عليها للذهاب مباشرةً إلى تفاصيلها:
1- الإنهاء بالتراضي: يُعتبر الإنهاء بالتراضي بين الطرفين أحد أبرز الأساليب المشروعة لإنهاء عقد العمل محدد المدة، في هذه الحالة، يتم الاتفاق بين العامل وصاحب العمل على إنهاء العقد قبل انتهاء مدته بناءً على موافقة مشتركة، هذا النوع من الإنهاء يتطلب توافقًا كاملًا بين الطرفين وعدم وجود أي ضغوط أو إجبار من أحدهما على الآخر. [اقرأ بتفصيل أكثر]
2- بلوغ العامل سن التقاعد: نص نظام العمل على أن للعامل الحق في إنهاء عقد العمل إذا بلغ سن التقاعد المحدد نظامًا، وذلك ما لم يكن هناك اتفاق بين الطرفين على استمرار العلاقة بعد هذا السن، ويُعتبر هذا البند من الشروط الجوهرية التي تحمي حقوق العامل في الحصول على معاش تقاعدي مناسب بعد انتهاء فترة خدمته. [اقرأ بتفصيل أكثر]
3- القوة القاهرة: تُعتبر من الحالات التي تعفي كلا الطرفين من الالتزام بإكمال العقد، وذلك إذا حدثت ظروف خارجة عن الإرادة مثل الكوارث الطبيعية، أو أزمات اقتصادية حادة تؤثر على استمرار العمل. [اقرأ بتفصيل أكثر]
4- إغلاق المنشأة نهائيًا: في حال قرر صاحب العمل إغلاق المنشأة بشكل نهائي، سواء لأسباب مالية أو لأسباب أخرى مشروعة، فإن هذا الإغلاق يتيح إنهاء عقود العاملين دون الحاجة لاستمرارهم في العمل أو التزامهم بالعقد حتى انتهاء مدته. [اقرأ بتفصيل أكثر]
5- إنهاء نشاط معين في المنشأة: إذا كانت الشركة تزاول أكثر من نشاط، وقررت إنهاء أحد هذه الأنشطة، فإن ذلك يتيح لها إنهاء عقود العمل الخاصة بالموظفين العاملين في ذلك النشاط دون تحمل مسؤولية إنهاء العقد. [اقرأ بتفصيل أكثر]
6- إخلال صاحب العمل بالتزاماته الجوهرية: يحق للعامل إنهاء عقد العمل إذا أخل صاحب العمل بالتزاماته الجوهرية المنصوص عليها في نظام العمل أو العقد، سواء كانت تتعلق بالأجور أو بيئة العمل أو أي شروط أخرى تم الاتفاق عليها بين الطرفين. [اقرأ بتفصيل أكثر]
7- إدخال الغش على العامل وقت التعاقد: إذا تبين أن صاحب العمل قد أدخل الغش على العامل أثناء التعاقد، مثل تقديم معلومات غير صحيحة أو إخفاء شروط مهمة تتعلق بالوظيفة، فيحق للعامل إنهاء العقد دون أي تبعات نظامية. [اقرأ بتفصيل أكثر]
8- التكليف بعمل مختلف اختلافًا جوهريًا: إذا قام صاحب العمل بتكليف العامل بعمل مختلف اختلافًا جوهريًا عن العمل المتفق عليه في العقد، يحق للعامل إنهاء العقد إذا لم يكن هناك اتفاق مسبق يتيح لصاحب العمل تغيير طبيعة العمل. [اقرأ بتفصيل أكثر]
9- الاعتداء بالعنف أو السلوك المُخِل بالآداب: أي اعتداء بالعنف أو سلوك غير أخلاقي من صاحب العمل تجاه العامل يعد سببًا مشروعًا لإنهاء عقد العمل قبل انتهاء مدته، مع تحميل صاحب العمل المسؤولية القانونية عن ذلك. [اقرأ بتفصيل أكثر]
10- قسوة صاحب العمل على العامل: إذا تعرض العامل لمعاملة قاسية أو سيئة من صاحب العمل، تؤثر على صحته النفسية أو الجسدية، فيحق له إنهاء عقد العمل دون الحاجة للانتظار حتى انتهاء مدته. [اقرأ بتفصيل أكثر]
11- وجود خطر جسيم يهدد سلامة العامل أو صحته: إذا كان هناك خطر جسيم يهدد سلامة العامل أو صحته أثناء أداء العمل، ولم يقم صاحب العمل بإزالة هذا الخطر أو توفير بيئة عمل آمنة، فإن العامل يحق له إنهاء العقد دون تحمل أي تبعات. [اقرأ بتفصيل أكثر]
12- إجبار العامل على ترك العمل بالمعاملة الجائرة: في حال تعرض العامل لمعاملة جائرة، مثل تقليل حقوقه أو إجباره على القيام بأعمال غير متفق عليها، يحق له إنهاء العقد والتوجه للجهات المعنية لحماية حقوقه. [اقرأ بتفصيل أكثر]
13- حالات المادة (80) من نظام العمل: تتضمن المادة (80) من نظام العمل السعودي حالات محددة تتيح لصاحب العمل إنهاء عقد العمل دون تعويض العامل، مثل ارتكاب العامل خطأً جسيمًا أو عدم التزامه بتعليمات صاحب العمل. وفي حال انطباق إحدى هذه الحالات على العامل، يمكن لصاحب العمل إنهاء العقد مباشرةً. [اقرأ بتفصيل أكثر]
14- وفاة صاحب العمل: في حالة وفاة صاحب العمل، يُعد ذلك سببًا مشروعًا لإنهاء عقد العمل إذا كانت شخصية صاحب العمل تعتبر عنصرًا جوهريًا في العقد. [اقرأ بتفصيل أكثر]
15- عجز العامل: إذا تعرض العامل لعجز دائم أو إصابة تمنعه من أداء العمل المكلف به بشكل كامل، يحق له إنهاء عقد العمل بناءً على حالته الصحية. يتطلب هذا الحالة تقريرًا طبيًا يثبت عدم قدرة العامل على الاستمرار في العمل. [اقرأ بتفصيل أكثر]
16- فترة التجربة: تُعد فترة التجربة من الفترات الخاصة في عقد العمل، حيث يُسمح خلالها للطرفين بتقييم العلاقة العمالية قبل التزامهما الكامل بالعقد، ووفقًا لنظام العمل السعودي، يجوز لصاحب العمل أو العامل إنهاء عقد العمل خلال فترة التجربة دون أن يكون لأي منهما حق في المطالبة بالتعويض أو إنذار مسبق، بشرط أن يكون ذلك منصوصًا عليه بوضوح في العقد.
بهذا نكون قد تناولنا أهم الأسباب المشروعة التي تتيح إنهاء عقد العمل محدد المدة قبل انتهاء مدته، وهذه الحالات تستند إلى نظام العمل السعودي، وتعمل على حماية حقوق كل من العامل وصاحب العمل، وتؤكد على وجوب احترام إلزامية العقد.
التعويض في حال فسخ العقد دون سبب مشروع
إذا لم تتحقق أي من الحالات المذكورة أعلاه، ورغم ذلك قام صاحب العمل أو العامل بإنهاء العقد قبل مدته؛ فيُعتبر هذا الفسخ غير مشروع ويُلزم الطرف المنهي بالتعويض للطرف الآخر، ويختلف مبلغ التعويض بناءً على عدة عوامل، منها مدة العقد المتبقية، وأجر العامل، وما تضمنه عقد العمل من شروط.
علمًا بأن مبلغ التعويض يمكن أن يصل إلى مئات الآلاف من الريالات في بعض الحالات، ويعتمد على الاتفاقات المنصوص عليها في العقد، أو ما تقرره مواد نظام العمل في هذا الشأن.
وللتعرف على التفاصيل الدقيقة حول كيفية تحديد مبلغ التعويض والشروط التي تُحدد قيمته، يمكنكم القراءة بتفصيل أكثر في مقالنا التالي/ المادة 77 من نظام العمل: حساب التعويض عند فسخ العقد