أسباب البراءة في قضايا التزوير بالسعودية: دليل الشامل مع أحكام قضائية (1447هـ)

أسباب البراءة في قضايا التزوير

فهرس محتويات المقال

يمكنك النقر على أي عنوان بجدول المحتويات أدناه؛ للانتقال إليه مباشرةً 

أن توجه لك تهمة التزوير هو أمر مقلق ومربك، فالنظام السعودي شدد من [عقوبات التزوير] لحماية الحقوق والمصالح. ولكن، من المهم أن تعلم أن الاتهام ليس نهاية المطاف، وأن “الأصل في الإنسان البراءة”. فليست كل قضية تزوير تنتهي بالإدانة، بل هناك العديد من الأسباب والدفوع القانونية القوية التي قد تقلب مسار القضية بالكامل وتؤدي إلى البراءة.

في هذا الدليل الشامل، سنكشف لك عن المنهجية التي نتبعها في تحليل قضايا التزوير، وهي المنهجية التي تتوافق مع طريقة تفكير القضاة وتستند إلى ثغرات حقيقية أدت للبراءة في أحكام قضائية فعلية.

سنأخذ بيدك لنريك كيف نفكك الاتهام ونبني دفاعًا قانونيًا صلبًا، مستخدمين سوابق قضائية حقيقية توضح كيف يمكن للدفوع الصحيحة أن تقلب مسار القضية بالكامل.

الأساس النظامي: متى تعتبر الجريمة “تزويرًا” في نظر النظام؟

قبل أن نتحدث عن أسباب البراءة، يجب أن نعرف ما هي جريمة التزوير، ولقد حددت المادة الأولى من النظام الجزائي لجرائم التزوير تعريفًا دقيقًا يجب توافر جميع عناصره لتتم الإدانة:

كل تغيير للحقيقة… حدث بسوء نية، قصدًا للاستعمال… وكان من شأن هذا التغيير أن يتسبب في ضرر…

من هذا التعريف، نستنتج أن أي دفاع ناجح يهدف إلى هدم أحد هذه الأركان الأساسية:

  • الركن المادي: إثبات عدم وقوع أي تغيير للحقيقة.
  • الركن المعنوي: إثبات غياب سوء النية أو القصد الجنائي.
  • ركن الضرر: إثبات أن الفعل لم يسبب أي ضرر لأي طرف.

والآن، لنرَ كيف طبقت المحاكم هذه المبادئ في قضايا حقيقية.

وقبل التفصيل، ولمساعدتك على استيعاب الصورة الكاملة بسرعة، إليك جدول يلخص الأسباب الرئيسية للبراءة في قضايا التزوير:

السبب الرئيسي للبراءةالركن الذي انهار في الجريمةالمبدأ القضائي باختصار
1. انتفاء القصد الجنائيالركن المعنوي (سوء النية)الموظف الذي يتصرف بحسن نية مع أوراق سليمة ظاهريًا ليس مسؤولًا عن كشف التزوير المتقن.
2. عدم كفاية الأدلةالإثبات اليقيني“الشك يفسر لمصلحة المتهم”. الأدلة التي تحتمل أكثر من تفسير لا تكفي للإدانة.
3. انتفاء الدافع والمصلحةالركن المادي (تغيير الحقيقة)لا جريمة إذا كان المحرر المزور يهدف لإثبات واقعة صحيحة ومطابقة للحقيقة أصلًا.
4. انتفاء الضرر والقصدركن الضرر والقصد الجنائيإعطاء اسم مزيف بدافع الخوف لا يعتبر تزويرًا إذا لم يكن القصد الإضرار بالغير ولم يترتب عليه ضرر.
5. تعاون الوسيطالإثبات اليقيني (شخصية العقوبة)لا تتم إدانة “الوسيط” المتعاون لمجرد عجز السلطات عن القبض على الفاعل الأصلي.
6. انتفاء محل الجريمةالركن المادي (وجود محرر)يجب أن يقع التزوير على “محرر” مادي. إخفاء حقيقة أو السكوت عنها لا يعتبر تزويرًا.
7. الفهم السائغ للوقائعالركن المادي (تغيير الحقيقة)سوء تقدير الموظف المبني على فهم منطقي للمستندات لا يُعد “تغييرًا للحقيقة” بشكل متعمد.
8. تعذر معرفة الفاعلالإثبات اليقيني (شخصية العقوبة)إثبات وقوع جريمة التزوير لا يكفي، بل يجب إثبات من هو المزور بدليل قاطع.
9. التزوير المفضوحركن الضرر والركن الماديالتزوير الواضح للعيان الذي لا يخدع الشخص العادي لا يعتبر جريمة لانتفاء الضرر.

والآن، لنتعمق في تفاصيل كل سبب من هذه الأسباب على حدة:

أسباب البراءة في قضايا التزوير

السبب الأول: انتفاء القصد الجنائي (حسن النية)

يعتبر “القصد الجنائي” أو “سوء النية” هو روح جريمة التزوير، فلكي تتم الإدانة، يجب على الادعاء أن يثبت بشكل قاطع أن المتهم كان يعلم بوقوع التزوير وتعمد إحداثه.

فماذا لو كان المتهم موظفًا عامًا يتعامل مع مئات المعاملات يوميًا وقام بتمرير معاملة تبدو سليمة في ظاهرها ثم تبين أنها مزورة؟ القضاء يجيب على هذا السؤال.

حكم قضائي (1): براءة موظف جوازات جدد إقامة بناءً على أوراق سليمة ظاهريًا

في هذه القضية، اتُهم موظف في إدارة الجوازات بتزوير سجلات الحاسب الآلي، حيث قام بتجديد إقامة وافد بناءً على طلب تفويض تبين لاحقًا أنه مزور ولم يصدر من الكفيل، وكان الدليل الأساسي ضده هو أنه الشخص الذي أجرى عملية التجديد في النظام.

دفاع المتهم وحكم المحكمة:

أمام المحكمة، دفع الموظف بأنه تعامل مع المعاملة كغيرها من مئات المعاملات التي تصله يوميًا، وأن الأوراق كانت مستوفية لشكلها النظامي، وأنه ليس خبيرًا في كشف التزوير ولا يملك الوسيلة لذلك، وعليه؛ اقتنعت المحكمة بهذا الدفاع المنطقي وحكمت بالبراءة، مؤسسة حكمها على المبادئ التالية:

…قد قام بإجراء عملية نظامية وفقًا للمستندات المقدمة أمامه فحسب وعليه فالأصل سلامة المستندات المقدمة… وليس لدى المتهم من وسيلة تكشف مدى موافقة الكفيل من عدمه طالما أن المسوغات الخاصة بتجديد الإقامة قدمت أمامه بشكل مستوفٍ لجوانبها الشكلية… ولم يثبت لدى الدائرة أن أفعاله قد انطوت على سوء نية…” (الحكم رقم 277/د/ج/ف/1) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]

الزاوية النظامية التي نركز عليها في قضايا كهذه:

نحن لا نجادل في وقوع التزوير، بل فيمن هو المسؤول عنه، فاستراتيجيتنا تقوم على عزل الموكل عن “القصد الجنائي” وإثبات أن نيته كانت سليمة تمامًا، وهو ما يقطع صلته بالجريمة كما يظهر في هذا الحكم النموذجي.

السبب الثاني: عدم كفاية الأدلة وشيوع الاتهام

من أهم المبادئ القضائية أن الشك يفسر دائمًا لمصلحة المتهم. إذا كانت أدلة الادعاء ظنية وتحتمل أكثر من تفسير، فلا يمكن أن تكون أساسًا للإدانة.

حكم قضائي (2): براءة موظف جوازات اتُهم بسبب استخدام “رقم المشغل” الخاص به

في قضية واقعية، اتُهم موظف جوازات بالمساهمة في تزوير لاصق نقل كفالة، وكان الدليل الرئيسي ضده هو أن العملية تمت باستخدام “اليوزر” الخاص به في نظام الحاسب الآلي.

دفاع المتهم وحكم المحكمة:

كان دفاع الموظف بسيطًا ومنطقيًا: فذكر أن أجهزة الحاسب في القسم مشتركة، وقد يترك الموظف جهازه مفتوحًا ويعمل عليه زميل آخر، واقتنعت المحكمة بهذا الدفع وحكمت بالبراءة، مؤسسة حكمها على مبدأ قضائي راسخ:

…وحيث إن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال… مما تنتهي إلى عدم إدانة المتهم الأول بما نسب إليه من تزوير” (الحكم رقم 472/د/ج/22) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]

الزاوية التي نركز عليها، في قضية كهذه:

عندما يكون دليل الادعاء الوحيد هو قرينة مثل “استخدام اسم المستخدم”، هنا تبرز خبرتنا، فنحن لا نضيع الوقت في جدال عقيم، بل نوجه تركيزنا مباشرة لزعزعة يقينية هذا الدليل.

عملنا هو البحث عن تلك الثغرة المنطقية -كاشتراك الموظفين في جهاز واحد- وتقديمها للمحكمة كسيناريو محتمل ينهار معه دليل الإدانة، فهذه هي فلسفتنا: تحويل الدليل الظني إلى شك، والشك في النظام الجزائي يعني البراءة.

السبب الثالث: انتفاء الدافع والمصلحة من التزوير

تسأل المحكمة دائمًا: ما هو الدافع لارتكاب الجريمة؟ فإذا كان المتهم لا يستفيد شيئًا من التزوير، أو إذا كانت المعلومة في المحرر المزور صحيحة أصلًا، فإن ذلك يضعف الاتهام بشكل كبير.

حكم قضائي (3): براءة متهم بتزوير خطاب “تعديل مهنة” لأنه كان مفصولًا بالفعل

في هذه القضية، اتُهم شخص بتزوير خطاب لتعديل مهنته من “عسكري” إلى “متسبب”، ولكن الحقيقة كانت أنه مفصول بالفعل من عمله العسكري قبل الواقعة.

حكم المحكمة:

رأت المحكمة أنه لا يوجد أي دافع أو مصلحة للمتهم من ارتكاب التزوير، فالمعلومة الجوهرية التي يهدف الخطاب لإثباتها (أنه لم يعد موظفًا) كانت صحيحة ومطابقة للواقع. وقالت في حكمها:

…فإن البيانات الجوهرية بالمحررات محل الاتهام صحيحة ومطابقة للواقع، مِمَّا ينتفي معه وجود الدافع لديه للتزوير أو حتى المصلحة منه…” (الحكم رقم 733/ج/1) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]

الزاوية التي نركز عليها: في قضية كهذه:

نحن نتجاوز الشكل لنغوص في جوهر الواقعة، فاستراتيجيتنا هي تحويل منطق الاتهام ضد نفسه بسؤال بسيط لكنه مدمر: “ماذا يستفيد موكلنا من تزوير حقيقة هي حقيقة بالفعل؟”.

عملنا هنا هو إثبات أن النتيجة التي سعى إليها المحرر المزعوم كانت مطابقة للواقع، مما يفرغ الجريمة من أي دافع أو مصلحة، هذه هي خبرتنا: إقناع المحكمة بالنظر إلى ما وراء الورق، وعندما تفعل، ينهار الاتهام لعدم وجود جريمة من الأساس.

السبب الرابع: انتفاء الضرر والقصد

حالة شائعة تحدث بدافع الخوف أو محاولة التهرب، وهي أن يقوم الشخص المقبوض عليه بإعطاء اسم مزيف لرجال الضبط أو المحققين.

ورغم أن هذا الفعل هو تغيير للحقيقة، إلا أن القضاء السعودي استقر على أنه لا يشكل جريمة تزوير مكتملة الأركان في الغالب.

حكم قضائي (4): براءة متهم أعطى اسمًا غير اسمه الحقيقي في قضية مخدرات

في هذه القضية، اتُهم شخص بالمساهمة في تزوير محررات رسمية (محاضر الضبط والتحقيق)، لأنه عندما تم القبض عليه في قضية مخدرات، أعطى المحققين اسمًا وهميًا غير اسمه الحقيقي، وتم تدوين هذا الاسم في أوراق القضية.

حكم المحكمة:

رغم اعتراف المتهم الصريح بفعله، حكمت المحكمة ببراءته من تهمة التزوير. وكان منطق المحكمة مبنيًا على تحليل دقيق لنية المتهم وطبيعة المحرر، حيث قالت في أسباب حكمها:

…وحيث إن إدلاءه بهذا الاسم المزور لم يكن ابتداءً لغرض التزوير وإنما هو من قبيل الدفاع عن النفس، وهو في ذات الوقت قابل للتحقق من الجهات المختصة ذات الشأن، ولا ينبني على المعلومات المذكورة في محاضر الضبط أي ضرر على أي شخص، وإنما هي لإثبات الواقعة وليست نهائية…” (الحكم رقم 20/د/ج/1) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]

الزاوية التي نركز عليها: في قضية كهذه:

نحن لا ننكر الواقعة، بل نعيد توصيفها نظاميًا، هنا تظهر خبرتنا في التفريق بين “الكذب” و”جريمة التزوير“. فبدلًا من الدفاع عن الفعل، نحن نهاجم أركان الجريمة نفسها، ونوضح للمحكمة أن دافع الموكل لم يكن “التزوير للإضرار بالغير”، بل كان “الخوف ومحاولة النجاة بنفسه”، عملنا هو إثبات أن هذا الفعل، رغم خطئه، لا يرقى لمستوى جريمة التزوير لانتفاء ركني القصد الجنائي والضرر، وهو ما يقتنع به القضاء غالبًا كما يظهر في هذا الحكم.

السبب الخامس: دور “الوسيط” المتعاون وعدم كفاية الأدلة

في بعض القضايا، يتم القبض على شخص كان دوره مجرد “وسيط“، وهو ما يعتبره النظام شكلًا من أشكال الاشتراك في الجريمة.

فهل تتم إدانته لمجرد عدم القبض على الفاعل الحقيقي؟ وما هي [عقوبة الشريك في التزوير] مقارنة بالفاعل الأصلي؟ القضاء يجيب على هذا السؤال.

حكم قضائي (5): براءة “وسيط” كان متعاونًا ودلّ على المعقب الحقيقي

في نفس قضية تعديل المهنة، اتُهم شخص آخر كان دوره هو توصيل الأوراق بين صاحب المعاملة والمعقب، وهذا المتهم كان متعاونًا جدًا مع السلطات وزودهم بالاسم الكامل للمعقب ورقم سجله المدني.

حكم المحكمة:

رأت المحكمة أنه لا يجوز إدانة الوسيط المتعاون لمجرد عجز السلطات عن القبض على المتهم الرئيسي، وقالت:

…ولا يسوغ توجيه الاتهام للمتهم… لعدم الاهتداء لـ(الفاعل الأصلي) وسماع أقواله، لا سيما مع إنكار المتهم وعدم وجود تقرير فني يثبت نسبة التزوير إليه…” (الحكم رقم 733/ج/1) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]

الزاوية التي نركز عليها: في قضية يكون فيها موكلنا “وسيطًا”:

تتحول استراتيجيتنا من الدفاع إلى الهجوم المنطقي، فنحن نبرز تعاونه الكامل مع جهات التحقيق كأقوى دليل على حسن نيته وبراءته، ثم نطرح السؤال المحوري على المحكمة: “هل يعقل أن يُدان موكلنا بسبب فشل جهة أخرى في أداء عملها؟”.

عملنا هو التأكيد على مبدأ شخصية العقوبة، وأن عجز السلطات عن القبض على الفاعل الحقيقي لا يجب أن يجعل من موكلنا كبش فداء، هذه هي خبرتنا: تحويل تعاون الموكل من مجرد ظرف تخفيفي إلى دليل براءة قاطع.

السبب السادس: انتفاء محل الجريمة (عندما لا يكون الفعل “تزويرًا” أصلًا)

النظام دقيق جدًا، ويشترط أن يقع فعل التغيير على “محرر” مادي، فإذا لم يوجد هذا المحرر الذي تم العبث به، فإن التهمة تنهار من أساسها، حتى لو كان هناك تحايل.

حكم قضائي (6): براءة أب استلم إعانة ابنه المعاق بعد وفاته

اتُهم أب بجريمة التزوير لأنه لم يبلغ عن وفاة ابنه واستمر في استلام إعانته الشهرية والتوقيع على محاضر التسليم، فاعتبر الادعاء أن هذا “إثبات لواقعة غير صحيحة”.

حكم المحكمة:

رغم اعتراف الأب، حكمت المحكمة ببراءته من تهمة التزوير، واستند منطق المحكمة إلى أن الأب كان وقّع باسمه وبصفته الصحيحة (ولي أمر) على محضر سليم، هو أخفى حقيقة، لكنه لم يغير في بيانات أي “محرر محسوس“، وقالت المحكمة في تسبيب حكمها:

…الفعل المنسوب إلى المتهم في هذه القضية لم يحدث تغييرًا في محرر محسوس، ومن ثم فإن فعله لا يندرج ضمن نصوص التجريم في النظام الجزائي لجرائم التزوير…” (قضية رقم 10/3287) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]

الزاوية التي نركز عليها: في قضية كهذه:

هنا تبرز خبرتنا في دقة التحليل النظامي، فقد يعتقد الكثيرون أن القضية خاسرة، لكننا نرى الثغرة بوضوح، عملنا هو تذكير المحكمة بأن النظام دقيق، وأن جريمة التزوير لها تعريف محدد لا ينطبق على كل تحايل.

نحن لا ندافع عن “إخفاء الحقيقة“، بل نثبت أن هذا الإخفاء شيء، و”تغيير بيانات محرر محسوس” شيء آخر تمامًا، هذه هي استراتيجيتنا: إعادة القضية إلى نصها النظامي الصريح، مما يجبر المحكمة على الحكم بالبراءة من تهمة التزوير، لأن الجريمة المزعومة لم تقع أصلًا بمفهومها النظامي الدقيق.

السبب السابع: انهيار الركن المادي بسبب “الفهم السائغ” للوقائع

في بعض القضايا المعقدة، قد يُتهم الموظف العام بالتزوير ليس لأنه زور ورقة، بل لأنه كتب رأيًا أو عرضًا “مخالفًا للحقيقة” بناءً على مستندات مقدمة له، فهل يعتبر مجرد “سوء التقدير” أو “تفسير الوقائع” جريمة تزوير؟ القضاء يضع حدًا فاصلًا وواضحًا.

حكم قضائي (7): براءة موظف وافق على مساهمة عقارية تبين لاحقًا وجود نزاع عليها

في هذه القضية الهامة، اتُهم موظف بوزارة التجارة بارتكاب جريمة التزوير، والتهمة كانت أنه رفع عرضًا لوكيل الوزارة يفيد بأن إحدى المساهمات العقارية قد “استكملت شروطها النظامية”، بينما الحقيقة أن مالك الأرض الأصلي لم يكن قد وافق بشكل مباشر على طرحها.

دفاع المتهم وحكم المحكمة:

دفع الموظف بأنه بنى قراره على سلسلة من عقود البيع الموثقة التي قدمها له صاحب المساهمة، والتي أظهرت انتقال ملكية الأرض له، ورغم وجود نزاع لاحق بين الأطراف، رأت المحكمة أن فهم الموظف للوقائع كان “مقبولًا وسائغًا” بناءً على ما لديه من أوراق وقت اتخاذ القرار. وبناءً عليه، حكمت بالبراءة وقالت:

…وحيث ظهر للدائرة قوة ما دفع به المتهم، وأن النزاع الذي نشأ بعد ذلك بين أطراف العلاقة… لا يؤثر على صحة التراخيص للمساهمة المبنية على عرض المتهم… فتخلص الدائرة من ذلك إلى أن المتهم أسس عرضه على ملكية صاحب المكتب للأرض بموجب العقود العرفية التي تم تحريرها… وعلى ذلك فإن الدائرة تنتهي إلى انهيار الركن المادي لجريمة التزوير بحق المتهم” (الحكم رقم 214/د/ج/2) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]

الزاوية التي نركز عليها: في قضية معقدة كهذه:

هنا تبرز خبرتنا في الدفاع عن صناع القرار، نحن ندرك أن القضاء يفرق بين “الكذب المتعمد” و”سوء التقدير المبني على معطيات ناقصة“، وبالتالي؛ استراتيجيتنا هي بناء سياج نظامي قوي حول قرار الموكل، وعملنا هو إثبات أن قراره كان “فهمًا سائغًا ومقبولًا” بناءً على المستندات المتاحة له في حينه، وليس “تغييرًا للحقيقة”.

نحن نوضح للمحكمة أنه لا يمكن محاسبة الموظف جزائيًا بنية الكذب على وقائع لم تكن معلومة وقت اتخاذ القرار، وهذا هو الخط الفاصل الذي يقود إلى البراءة.

السبب الثامن: ثبوت التزوير مع تعذر معرفة الفاعل الحقيقي

أحد أهم مبادئ النظام الجزائي أن “العقوبة شخصية”، وهذا يعني أنه لا يكفي أن يثبت الادعاء العام وقوع جريمة تزوير، بل يجب عليه أن يثبت بشكل يقيني من هو الشخص الذي ارتكبها.

وبالتالي؛ إذا كانت الأدلة تثبت وجود محرر مزور، لكنها تعجز عن تحديد هوية المزور، فإن المحكمة ستحكم بالبراءة.

حكم قضائي (8): براءة متهمين في قضية عقود إيجار مزورة لعدم إمكانية الفحص الفني

في هذه القضية، اتُهم عدة أشخاص بالاشتراك في تزوير عقدي إيجار واستعمالهما لتجديد رخصة مطعمين، ورغم أن مالك العقار الأصلي أكد أن العقدين مزوران وأن التوقيع ليس توقيعه، ورغم أن القضية كانت تبدو واضحة، إلا أن المحكمة حكمت ببراءة جميع المتهمين.

حكم المحكمة:

كان سبب البراءة دقيقًا جدًا ومبنيًا على استحالة إثبات من هو الفاعل، فالمحكمة وجدت أن الأدلة تثبت وقوع التزوير، لكنها لا تثبت من قام به، ولخصت أسبابها في النقاط التالية:

أسباب المحكمة في براءة متهمين في قضية عقود إيجار مزورة لعدم إمكانية الفحص الفني

1. استحالة الفحص الفني: كانت العقود المقدمة مجرد صور ضوئية وليست أصولًا، ووفقًا للأنظمة المتبعة، لا يمكن لخبراء الأدلة الجنائية إجراء فحص فني أو مضاهاة للتواقيع على الصور.

2. عدم تحديد المقدم: الجهة التي استلمت العقود (البلدية) لم تتمكن من تحديد هوية الشخص الذي قدمها.

3. إنكار المتهمين: أنكر جميع المتهمين علاقتهم بالعقود المزورة.

وبناءً على ذلك، قالت المحكمة في حكمها:

…فإن غاية ما تدل عليه [الأدلة] ثبوت تزوير العقدين -محل الدعوى- فحسب… غير أن هناك فرقًا بين ثبوت التزوير ووقوعه، وبين نسبة ذلك التزوير إلى فاعله، وهو ما لم يستدل عليه في هذه الدعوى… وحيث لم يوجد الدليل اليقيني والقطعي على صحة الاتهام بحق المدعى عليهم… فإن الأصل فيه براءة ذمته وأنه لا يجوز العدول عن هذا الأصل إلا بدليل قاطع…” (الحكم رقم 1758/ق) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]

الزاوية التي نركز عليها: في قضية كهذه:

نحن نتمسك بأحد أصلب المبادئ النظامية: “العقوبة شخصية”، هنا تبرز خبرتنا في التمييز بين “وقوع الجريمة” و “إثبات من ارتكبها”، نحن لا نجادل في وجود التزوير، بل نوجه تركيزنا بالكامل إلى حلقة الإثبات المفقودة التي تربط موكلنا بالجريمة.

عملنا هو تسليط الضوء على كل نقص في أدلة الادعاء -سواء كان استحالة الفحص الفني، أو غياب الشهود، أو عدم وجود اعتراف- لنثبت للمحكمة أنه حتى لو كانت الجريمة قد وقعت، فلا يوجد دليل يقيني واحد ينسبها لموكلنا. وهذه هي فلسفتنا: بدون دليل قاطع على الفاعل، لا يمكن أن تكون هناك إدانة.

السبب التاسع: التزوير المفضوح (عندما يكون التزوير واضحًا للعيان)

هل تعلم أن التزوير إذا كان واضحًا ورديئًا بحيث يمكن لأي شخص عادي اكتشافه بمجرد النظر، فإنه قد لا يعتبر جريمة يعاقب عليها النظام؟ يُعرف هذا في القضاء بـ “التزوير المفضوح” أو “التزوير الساذج”.

والمنطق النظامي خلف هذا المبدأ بسيط وواضح: المحرر المزور بهذا الشكل لا يمكن أن يخدع أحدًا، وبالتالي ينتفي ركن الضرر، وهو ركن أساسي لقيام الجريمة.

حكم قضائي (9): براءة متهم بتزوير رخصة قيادة بسبب رداءة التزوير ووضوحه

في هذه القضية، اتُهم شخص بتزوير رخصة قيادة واستعمالها، والمفاجأة كانت أن المتهم اعترف صراحة بأنه يعلم أن الرخصة مزورة وأنها هي التي ضُبطت بحوزته. ورغم هذا الاعتراف الكامل، حكمت المحكمة ببراءته.

حكم المحكمة:

لم تنظر المحكمة إلى اعتراف المتهم، بل نظرت إلى المحرر المزور نفسه، فوجدت أن التعديلات التي تمت عليه كانت بدائية وواضحة جدًا، حيث يمكن لأي شخص ملاحظة آثار مسح البيانات الأصلية وكتابة بيانات جديدة فوقها. وبناءً على ذلك، اعتبرت المحكمة أن هذا “تزوير مفضوح” لا تقوم به الجريمة، وقالت في أسباب حكمها:

…وحيث إنه بالاطلاع على المحرر -محل الدعوى- تبين للدائرة أن التعديلات التي تمت عليه هي من الوضوح بحيث تظهر لكل شخص عادي… وحيث إنه من المستقر عليه في قضاء الديوان أن التزوير إذا كان بهذه المثابة فإنه يفقد المحرر حجيته أمام الغير… إضافة إلى عدم تصور قيام الضرر في ظل افتضاح التزوير… مما يجعل ركني جريمة التزوير غير متوافرين في حق المتهم” (الحكم رقم 531/د/ج/11) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]

الزاوية التي نركز عليها في قضايا كهذه:

عندما نجد أنفسنا أمام محرر مزور بشكل بدائي، فإن استراتيجيتنا الدفاعية تتغير بالكامل، فنحن لا نركز على نية الموكل أو إنكاره، بل نوجه كل تركيزنا إلى المحرر نفسه.

عملنا هو إثبات للمحكمة أن هذا التزوير “مفضوح” لدرجة أنه لا يمكن أن يخدع “الشخص العادي المعتاد”. نحن نجادل بأن النظام لا يحمي المغفل، وأن المحرر الذي يفقد مظهره الرسمي وقدرته على الخداع لا يستحق الحماية الجزائية. وهذه هي خبرتنا: تحويل رداءة التزوير من مجرد ملاحظة عابرة إلى سبب جوهري للبراءة.

دراسة حالة عكسية: لماذا تفشل بعض الدفاعات وتؤدي للإدانة؟

من المهم أن نفهم كيف تفكر المحكمة عندما تقرر الإدانة، فإنكار العلم بالتزوير وحده لا يكفي، فالمحكمة تبحث عن المنطق والاتساق في دفاعك.

حكم قضائي (10): إدانة متهم بتزوير شهادة جامعية بسبب تناقض أقواله

اتُهم شخص بتزوير شهادة جامعية، وكان دفاعه أنه تعامل مع مكتب خدمات بحسن نية. ورغم ذلك، أدانته المحكمة. لماذا؟ لأن دفاعه كان مليئًا بالتناقضات التي دمرت مصداقيته:

  • تناقض الأقوال: في التحقيق قال إنه درس في الجامعة (أ)، وأمام القاضي قال إنه درس في الجامعة (ب).
  • تناقض الأدلة: قدم أدلة أثبتت أن قصته مستحيلة زمنيًا.

حكم المحكمة: استخلصت المحكمة سوء نيته من هذه التناقضات، وقالت في حكمها:

…أن المتهم قد ناقض أدلة دفاعه مما تستيقن معه قيام الركن المعنوي…” (الحكم رقم 2/306/إس) [للاطلاع على نص الحكم الكامل، اضغط هنا]

الزاوية التي نركز عليها:

هذه القضية تجسد الخطأ القاتل الذي نعمل على تجنيب موكلينا منه، فخبرتنا تؤكد أن خط الدفاع الأول هو المصداقية، وعملنا لا يقتصر على تقديم الدفوع النظامية، بل يبدأ ببناء رواية دفاع متماسكة ومنطقية منذ اللحظة الأولى في التحقيق، ليتم تتويجها لاحقًا في مستند نظامي محكم. ولمعرفة كيف تتم صياغة هذه الحجج بشكل احترافي، يمكنك الاطلاع على دليلنا حول [كيفية كتابة مذكرة دفاع قوية في قضايا التزوير].

تعمق أكثر في جوانب قضايا التزوير

إن فهم أسباب البراءة هو حجر الزاوية في أي دفاع، ولكن الصورة لا تكتمل إلا بمعرفة بقية جوانب القضية التي قد تواجهها:

1. ما هي العقوبات المحتملة؟ تعرف بالتفصيل على مدد السجن والغرامات لكل نوع من أنواع التزوير في دليلنا الشامل: [عقوبة التزوير في السعودية].

2. هل يمكن أن تسقط القضية؟ اكتشف كيف يمكن للتقادم أو التنازل أن يؤثر على مصير قضيتك في مقالنا عن [متى تسقط جريمة التزوير في السعودية].

3. كيف أدافع عن نفسي عمليًا؟ تعلم الخطوات الإجرائية والدفوع القانونية الأساسية في دليلنا عن [كيفية كتابة مذكرة دفاع قوية في قضايا التزوير].

4. ماذا لو كنت شريكًا أو مستعملًا؟ افهم مسؤوليتك النظامية والعقوبات المترتبة على دورك في القضية من خلال دليلنا عن [عقوبة الشريك ومستعمل المزور في السعودية].

وأخيرًا، فإن طريقك نحو البراءة يبدأ بالخبرة

كما رأيت في الأحكام السابقة، فإن الطريق إلى البراءة هو المنهجية التي عرضناها لك: تفكيك أركان الاتهام، وتحديد نقطة الضعف، واستخدام السوابق القضائية كأدوات قوية لدعم موقفك، هذا هو النهج الذي نتبناه في شركة نوماس للمحاماة.

فإذا كنت تواجه قضية تزوير، فإن الخطوة الأولى هي تطبيق هذه الخبرة على تفاصيل قضيتك الخاصة، تواصل معنا اليوم، ودعنا نضع منهجيتنا وخبرتنا في دراسة ملفك وتقديم أفضل سبل الدفاع الممكنة لحماية حقوقك.

موضوعات أخرى قد تهمك:

اترك تعليقًا